
مقدمة
في خطوة مهمة نحو تعزيز حقوق المرأة في المغرب، أكد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أن الاعتراف بالعمل المنزلي ضمن سياق مراجعة مدونة الأسرة المغربية لا يعدّ مجرد ضرورة قانونية، بل هو التزام دستوري وأخلاقي. هذا التوجه يندرج في إطار التزامات المغرب الدولية، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بالإضافة إلى الاتفاقيات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
العمل المنزلي: من واجب تقليدي إلى حق قانوني
في كلمته خلال ندوة دولية حول “الاعتراف بقيمة العمل المنزلي واحتسابها في حالات الطلاق – تجارب مقارنة”، التي نظمتها وزارة العدل بشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا، أوضح وزير العدل أن العمل المنزلي كان يُعتبر تقليدياً “واجباً طبيعياً” للمرأة. ولكن اليوم، وبعد التغييرات الاجتماعية والاقتصادية، أصبح هذا العمل يشكل ركيزة أساسية لاستقرار الأسرة، وهو عامل حيوي في عملية إنتاج الثروة والحفاظ على التماسك الاقتصادي داخل المجتمع.
وأشار الوزير إلى أن بعض الأعراف الأمازيغية كرّست مبدأ “الكد والسعاية”، الذي يعترف للزوجة بحقها في الثروة المكتسبة، وهي فكرة مدعومة من قبل علماء وفقهاء مغاربة بما يتماشى مع مقاصد الشريعة الإسلامية.
الاهتمام المتزايد بقضية الإنصاف الاقتصادي للمرأة
وفي إطار سعي المغرب لتعزيز حقوق المرأة الاقتصادية، أضاف وهبي أن المملكة تعطي أهمية متزايدة لقضية الإنصاف الاقتصادي للنساء. كما ذكر أن هذا الورش يأتي ضمن المراجعة الشاملة والعميقة التي تُجريها البلاد على مدونة الأسرة، بهدف تحقيق العدالة والمساواة وضمان كرامة جميع أفراد الأسرة، وخاصة النساء والأطفال.
وأكد الوزير أن إقرار المساواة الفعلية لا يقتصر على النصوص القانونية فقط، بل يجب أن يشمل إعادة الاعتبار للعمل غير المدفوع الذي تقوم به ملايين النساء داخل بيوتهن، مما يساهم في تحقيق المساواة بين الجنسين.
مراجعة مدونة الأسرة: تحديات وآفاق
وأضاف عبد اللطيف وهبي أن المادة 49 من مدونة الأسرة، التي تربط توزيع الأموال المكتسبة أثناء الزواج بوجود اتفاق مسبق بين الزوجين، تطرح إشكالية حقيقية. في الواقع، نادراً ما يتحقق هذا الاتفاق المسبق في الواقع الاجتماعي، مما يضعف من حماية حقوق المرأة عند الطلاق.
وأعلن الوزير أن المغرب منفتح على مناقشة إمكانية تطوير هذا المقتضى وغيره من النصوص ذات الصلة، بهدف ضمان الإقرار الصريح بقيمة العمل المنزلي كعنصر من عناصر تنمية الثروة الأسرية، وإقرار التعويض عنه عند الانفصال، وذلك وفق مقاربة عادلة وواقعية.
رهانات اقتصادية وتنموية كبرى
أوضح الوزير أن الاعتراف القانوني والاقتصادي بالعمل المنزلي غير المدفوع للزوجة يحمل بعداً رمزياً كبيراً، ويعدّ خطوة هامة نحو إنصاف النساء. ولكن هذا الاعتراف يحمل أيضاً رهانات اقتصادية وتنموية كبرى، حيث يُعتبر العمل المنزلي دعامة أساسية للاستقرار الأسري ويشكل ركيزة لتماسك النظام الاقتصادي.
التحولات الكبرى في البنية الاقتصادية والاجتماعية
وأشار عبد اللطيف وهبي إلى أن التحولات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الكبيرة التي يشهدها المغرب والعالم تتطلب إعادة النظر في دور المرأة في النظام الإنتاجي. لم يعد مقبولاً تجاهل الدور الجوهري للنساء في هذه المنظومة، ويجب أن ينعكس ذلك على التشريعات والسياسات الوطنية.
الندوة الدولية: تعزيز الحوار الوطني حول إصلاح مدونة الأسرة
وفي ختام كلمته، شدد الوزير على أهمية تنظيم هذه الندوة الدولية التي تتيح الفرصة لتبادل الخبرات والتجارب مع الشركاء الدوليين. وأعرب عن أمله في أن تشكل مخرجات الندوة رافعة لدعم الحوار الوطني حول إصلاح مدونة الأسرة وتطوير الأدوات التشريعية بما يتماشى مع التوجهات الملكية السامية والتزامات المغرب الحقوقية. وأضاف أن الهدف هو الوصول إلى مدونة أسرة أكثر عدالة، مما يسهم في تحقيق مجتمع أكثر إنصافاً ومساواة.
اقرأ أيضًا:
تعويضات البرامج الصحية: تحسين حقوق الأطر الإدارية والتقنية في قطاع الصحة