أدب و فنإيكولوجيا وعلوم

عودة الحياة إلى بحيرة إريقي بعد أمطار استثنائية: إنجاز بيئي في قلب الصحراء المغربية

شهدت منطقة المغرب الشرقي في الآونة الأخيرة هطول أمطار غزيرة وغير معتادة، أثّرت بشكل خاص على المناطق المتاخمة لفم زكيد، زاكورة، وسلسلة جبال باني. هذه التساقطات لم تكن مجرد ظاهرة مناخية عابرة، بل كانت سببًا في حدث بيئي غير مسبوق يتمثل في عودة المياه إلى بحيرة إريقي، بعد أكثر من نصف قرن من الجفاف والانكماش.

بحيرة إريقي: ذاكرة طبيعية تستعيد بريقها

تقع بحيرة إريقي بين إقليمي زاكورة وطاطا، وهي من المعالم الطبيعية المتميزة في عمق الصحراء المغربية. تاريخيًا، كانت البحيرة تمثل نقطة تجمع مائي مهمة تغذيها السيول القادمة من جبال باني، إلا أن التغيرات المناخية وقلة الأمطار أدّت إلى جفافها منذ عقود طويلة.

اليوم، وبعد هذه الأمطار الاستثنائية، تعود الحياة تدريجيًا إلى البحيرة، في مشهد مهيب يختزل معاناة الطبيعة مع التغيرات المناخية، ويمنح الأمل في تجدد النظم البيئية الصحراوية.

التكنولوجيا في خدمة البيئة: تحليل صور الأقمار الصناعية

قبل الشروع في الرحلة الاستكشافية، اعتمد فريق البحث على تحليل دقيق لصور الأقمار الصناعية، خاصة من القمر الصناعي الأوروبي “سنتينيل”، الذي أظهر بوضوح وجود تجمعات مائية جديدة داخل محيط البحيرة. هذه البيانات أكدت أن المنطقة تشهد تغيرًا بيئيًا غير معتاد، ما دفع الفريق العلمي إلى التوجه مباشرة نحو الموقع للتأكد ميدانيًا من الظاهرة.

الرحلة الاستكشافية: تحديات الصحراء ومتعة الاكتشاف

تكوّن فريق البحث من أساتذة وخبراء في الجغرافيا والبيئة تابعين لجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إلى جانب ممثلين عن جمعيات مهتمة بالبيئة المحلية. الرحلة نحو البحيرة لم تكن سهلة، حيث واجه الفريق تحديات تضاريسية صعبة وطرقًا وعرة غمرتها السيول.

رغم الصعوبات، نجح الفريق في الوصول إلى بحيرة إريقي، حيث تم توثيق عودة المياه، والتقاط مشاهد نادرة لطيور مهاجرة وأشكال حياة برية تستفيد من هذا التحول الطبيعي.

عينات وتحاليل: المياه قادمة من جبال باني

أخذ الباحثون عينات من مياه البحيرة لتحليل تركيبتها، وتبيّن أن مصدرها يعود إلى سيول قادمة من شمال المنطقة، خاصة من جبال باني. هذا ما يثبت أن النظام الطبيعي لا يزال يحتفظ بروابطه القديمة رغم سنوات الجفاف، وأن تجدد الحياة ممكن عند توفر الظروف المناخية المناسبة.

الحدث في سياقه العلمي والبيئي

لا تقتصر أهمية عودة المياه إلى بحيرة إريقي على المنظر الطبيعي فقط، بل تمتد إلى أبعاد بيئية وعلمية أوسع. حيث توفر هذه الظاهرة فرصة فريدة لدراسة تأثيرات التغير المناخي على النظم البيئية الصحراوية، إضافة إلى فهم دينامية التنوع البيولوجي في المناطق الجافة عند توفر الماء.

كما أن مثل هذه الظواهر الطبيعية تُعد مختبرًا حيًا لاختبار مدى مرونة واستجابة الأنظمة البيئية الهشة أمام التقلبات المناخية.

نحو رؤية مستدامة لحماية بحيرة إريقي

بعد هذا الحدث النادر، تتعالى الأصوات المطالبة بوضع خطة بيئية وطنية للحفاظ على بحيرة إريقي، خاصة وأنها قد تتحول إلى مركز بيئي وسياحي فريد. يمكن أن تشمل هذه الرؤية حماية مصادر المياه، منع التوسع العشوائي، وتطوير أنشطة سياحية بيئية تدر دخلاً على الساكنة وتحافظ على التوازن الإيكولوجي.

مقال ذو صلة:

للمزيد حول الجهود البيئية في المغرب، يمكنك قراءة مقالنا السابق حول استزراع أسماك التروتة القزحية في ميدلت استعدادًا لموسم الصيد 2025-2026.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى