أشيبان لـ اليقين: قانون المالية 2026 يراعي مطالب الشارع لكن الفعالية مرهونة بالتدبير

اليقين / نجوى القاسمي
اكد الخبير الاقتصادي خالد أشيبان، في تصريح لجريدة اليقين، إن تقييم الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2026 يُظهر أنها لا تختلف كثيراً عن توجهات السنوات الماضية، إذ تظل محصورة في نفس المحاور الكبرى التي دأبت الحكومات المتعاقبة على اعتمادها، وهي الاستثمار، الحماية الاجتماعية، التوازنات الماكرو-اقتصادية، ومحاربة العجز المالي.
وأضاف أن هذه التوجهات في حد ذاتها ليست جديدة، بل إن ما يميز هذه السنة هو الظرفية التي جاء فيها المشروع، إذ تتزامن مع احتجاجات اجتماعية ومطالب شعبية متزايدة، مبرزا أن الحكومة حاولت أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار عبر التركيز على الصحة والتعليم وخلق فرص الشغل، وهي أبرز القضايا التي نادى بها الشارع المغربي خلال الأشهر الماضية.
وأوضح أشيبان أن العبرة ليست في ما يكتب داخل نص قانون المالية أو في توجيهاته العامة، وإنما في مرحلة التنفيذ، لأن الإشكال الحقيقي، في نظره، لا يكمن في الخطوط العريضة، بل في الحكامة وضعف التدبير العمومي.
وأشار أشيبان إلى أن الرفع من ميزانية قطاعات الصحة والتعليم يعد خطوة إيجابية من حيث المبدأ، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة تحقيق نتائج ملموسة، لأن المشكل ليس في الموارد، وإنما في طريقة تدبيرها، مؤكدا أن المغرب كان دائما يخصص مبالغ مهمة لهذين القطاعين، لكن النتيجة أننا نسير من السيئ إلى الأسوأ، ما يدل على وجود خلل في منظومة الحكامة والتسيير
وفي ما يتعلق ببرامج التشغيل، أوضح أشيبان أن قانون المالية السابق خصص حوالي 15 مليار درهم لدعم التشغيل، غير أن أثر هذا المبلغ ظل محدودا، إذ لم يُترجم إلى نتائج حقيقية على مستوى خلق فرص الشغل، مما يثير التساؤل حول كيفية صرف تلك الموارد ومدى فعاليتها.
كما اعتبر أشيبان أن التوازن الحاصل بين البرامج الاستثمارية والاجتماعية يعد مؤشرا إيجابيا، خصوصا وأن الحكومة نجحت في الحفاظ على استقرار المالية العمومية، بفضل ما وصفه بـالتدبير المالي الجيد الذي تقوم به وزارة الميزانية.
وأوضح أن المديونية تحت السيطرة، والموارد تعرف ارتفاعاً، ما يمنح الدولة هامشاً للتحرك الاجتماعي والاستثماري.
وفي سياق متصل، أشار إلى أن المغرب مقبل على تظاهرات كبرى واستثمارات ضخمة، تساهم في تحريك عجلة النمو وخلق فرص عمل جديدة، وهو ما يُعد أمراً محموداً من الناحية الاقتصادية.
كما أشاد بالجهود المبذولة في صرف الدعم الاجتماعي المباشر والتغطية الصحية الشاملة، معتبرا أن هذه الإجراءات تمثل “ثمار التدبير المالي الرشيد ، غير أنه عاد ليؤكد أن المشكل الحقيقي يكمن في التنفيذ الفعلي لتلك الميزانيات، وليس في رصدها أو توزيعها.
وتابع أشيبان قائلا: اليوم لا تعاني الحكومة من مشكل في الموارد، بل من مشكل في التدبير، لأن وفرة الموارد لم تترجم بعد إلى أثر ملموس على حياة المواطنين، مشيرا إلى أن التعليم والصحة مثالان واضحان على ذلك، حيث تُرصد لهما مبالغ كبيرة كل سنة دون تحسن يذكر في الخدمات أو المؤشرات الاجتماعية.
أما بخصوص مسألة التضخم، فقد أوضح أشيبان أن قانون المالية لا يؤثر مباشرة على معدلات التضخم، لأنه يبنى على فرضية أن التضخم سيكون تحت السيطرة بفضل السياسة النقدية لبنك المغرب، موضحاً أن “التعامل مع التضخم يظل من اختصاص بنك المغرب أكثر من الحكومة، فالحكومة لا تتحكم فيه بشكل مباشر، لكنها تتدخل عبر الدعم للمواد الأساسية أو عبر الميزانية العامة لتخفيف أثره على القدرة الشرائية”.
وأضاف أن المرحلة السابقة التي شهدت ارتفاعاً في معدلات التضخم تم تجاوزها بسلام، بفضل التنسيق الجيد بين الحكومة وبنك المغرب، رغم أن المواطنين تأثروا بشكل واضح في قدرتهم الشرائية.
وقال إن الحكومة مطالبة اليوم ببذل مجهود أكبر لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال مواصلة الدعم الاجتماعي المباشر، وتنفيذ مخرجات الحوار الاجتماعي، والرفع من الأجور بشكل متوازن، مؤكداً أن هذه الإجراءات من شأنها تمكين المواطنين من مواجهة أي موجة تضخمية مستقبلية.
وختم أشيبان تصريحه بالتأكيد على أن الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وتحقيق التنمية الاقتصادية لن يتحققا عبر الأرقام وحدها، بل عبر الإصلاح الحقيقي لمنظومة التدبير العمومي، مضيفاً أن المطلوب اليوم ليس مزيداً من الخطط أو التصريحات، بل التفعيل الفعلي للبرامج الممولة، حتى يشعر المواطن المغربي بالأثر الإيجابي للميزانية العامة في حياته اليومية
We Love Cricket