آخر الأخبارسياسة

أمين السعيد لليقين: الإصلاح الانتخابي خطوة متقدمة نحو استعادة الثقة، لكنها تظل رهينة بترسيخ مناخ سياسي ديمقراطي

اليقين/ نجوى القاسمي

قال أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس في تصريح خص به موقع اليقين، إن المنظومة القانونية الانتخابية في المغرب تعاني من إشكالية الأمن القانوني، بالنظر إلى التعديلات المتتالية التي تطرأ عليها قبيل كل محطة انتخابية، وهي ظاهرة ميزت جميع العمليات الانتخابية السابقة، حيث كانت تسبقها مراجعات وتعديلات على المادة الانتخابية.

وأوضح السعيد أن هذه التعديلات المتكررة، وإن كانت تهدف في ظاهرها إلى الإصلاح والتجويد، فإنها تؤثر على الأمن القانوني المتعلق باستقرار وثبات هذه التشريعات، خاصة وأن التحضير لها ومناقشتها يتم غالبا في آخر الولاية التشريعية، مما لا يتيح الوقت الكافي لبحث تفاصيلها وشرح مضامينها للمنتخبين والمواطنين. ونتيجة لذلك، تظهر لحظة تطبيقها مجموعة من الإشكالات العملية التي تكشف الثغرات القانونية في ضوء الممارسة الواقعية.

وانطلاقا من هذا المعطى، يرى السعيد أن القوانين الانتخابية تتميز بطابعها الاستثنائي والخاص لأنها تنظم العملية الانتخابية التي تمهد للمشاركة في السلطة، وتندرج ضمن تشريعات حساسة وأساسية ومنصوص عليها في صلب القوانين التنظيمية.

وأشار السعيد إلى أن ما يميز الإصلاحات الانتخابية لسنة 2025 هو الانتباه الملكي لمسألة الإصلاح المتسرع، حيث أكد جلالة الملك على ضرورة إعداد المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب قبل نهاية سنة 2025، حتى تكون معروفة ومعتمدة بشكل مسبق.

وهذا التوجيه، حسب السعيد، يمثل انتقالا نوعيا من منطق الإصلاح الانتخابي المتزامن مع العملية الانتخابية إلى منطق الإصلاح الاستباقي الذي يتيح مهلة زمنية كافية لمناقشة النصوص وصياغتها بشكل متوازن يسمح للمعنيين والمهتمين بإبداء ملاحظاتهم وانتقاداتهم واقتراحاتهم

ولفت إلى أن الاحتجاجات التي شهدتها العديد من المدن والقرى المغربية تمثل في جوهرها تعبيرا مجتمعيا عن فشل النموذج السياسي في استيعاب مختلف التعبيرات والديناميات الاحتجاجية، ما هيأ الأرضية لبروز ما عرف بـ”حركة شباب جيل زيد”. وفي هذا السياق تأتي هذه الإصلاحات لتجسد إرادة سياسية حقيقية لإعادة الثقة في المؤسسات التمثيلية

وأشار إلى أنه، ولأول مرة، تم تخصيص دعم مالي يغطي 75 في المائة من مصاريف الحملات الانتخابية للشباب دون 35 سنة، سواء بصفة مستقلة أو في إطار الأحزاب السياسية، وهي خطوة جريئة في اتجاه تمكين الشباب من ولوج الحياة السياسية ومنافسة النخب التقليدية. كما تم تعزيز التمييز الإيجابي لصالح النساء من خلال تخصيص الدوائر الجهوية حصريا لهن، بهدف رفع تمثيليتهن داخل المؤسسة التشريعية وضمان حضورهن الفاعل في مواقع القرار.

ورغم أهمية هذه الإجراءات، أكد السعيد أنها لا تكفي وحدها لإعادة الثقة وتعزيز المشاركة، إذ تظل رهينة بتوفير مناخ سياسي ديمقراطي يشجع على الانخراط والمشاركة من خلال توسيع الحريات وضمان مواكبة إعلامية قوية. وشدد على ضرورة تحصين العملية الانتخابية من المال الفاسد عبر التطبيق الحازم والصارم للقوانين، خصوصا من طرف الجهات المسؤولة عن إنفاذ القانون، وفي مقدمتها النيابة العامة ووزارة الداخلية.كما دعا السعيد إلى تحمل الأحزاب السياسية لمسؤوليتها الأخلاقية والسياسية في ترشيح الكفاءات والنخب المؤهلة التي تتوفر على الحد الأدنى من الأخلاقيات السياسية، لأن استمرار الكائنات الانتخابية التي تعتمد على شراء الذمم من شأنه أن يفرغ هذه الإصلاحات من مضمونها، خاصة في ظل ضعف التسجيل في اللوائح الانتخابية وغياب نقاش سياسي جدي يقوم على الأقطاب والتنافس البرامجـي.

وأكد السعيد أنه لا يمكن تحقيق نتائج ملموسة من هذه الإصلاحات إلا بتوافر مجموعة من الشروط الأساسية، أولها القضاء على المال الفاسد وسد الطريق أمام الكائنات الانتخابية التي تستمد قوتها من شراء الأصوات، وثانيها الانتقال من الحياد إلى التدخل الاستباقي للإدارة في التطبيق الصارم للمقتضيات الزجرية، وثالثها بذل مجهود وطني لتوسيع قاعدة التسجيل في اللوائح الانتخابية، ورابعها إرسال الأحزاب السياسية لإشارات ورسائل إيجابية عبر ترشيح كفاءات وطاقات قادرة على إقناع الفئات المشككة والعازفة عن التصويت، وخامسها المواكبة الإعلامية المكثفة التي تشرح للمواطنين أهمية العملية الانتخابية وأثرها في التغيير من خلال مؤسسات تمثيلية نزيهة وشفافة وخالية من المال الفاسد.

وختم أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية تصريحه بالتأكيد على أن الانتخابات النزيهة والشفافة ليست مجرد محطة تقنية، بل تمثل مدخلا أساسيا لبناء الثقة وتجديد العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة.

We Love Cricket

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى