منبر اليقين

أنت تبحث عن المعنى، لكني سأحكي لك قليلا عن اللامعنى


اللامعنى جزء لا يتجزأ من واقع الحياة المفعم بالتناقضات والمفتوح على البشاعة والهلاك وعلى البؤس الذي يؤثث كل شبر من هذا العالم.
يقول نيتشه : (ما دمتَ حيا فستعاني، فالطريق الوحيد للنجاة أن تجد معنى لمعاناتك).
لماذا أحيا؟
هل سألت نفسك يوما هذا السؤال، في خضم ما يمكن أن تمر منه من أحداث ومشاكل ومواقف قد تؤثر سلبا على مجرى حياتك؟
هل فكرت يوما في جدوى الحياة؟ هل بحثت أحيانا عن المعنى في دوامة اللامعنى؟
هل تستيقظ كل صباح ويخالجك شعور أنه لا يوجد سبب مقنع ووجيه للاستيقاظ واستقبال اليوم وتخصيص جزء عظيم منه للعمل والكد والإنتاج؟
الفراغ النفسي الذي يصل أحيانا إلى فقدان المعنى شعور يجربه كل البشر من وقتٍ لآخر، وليس من السهل أن لا تقع بين مخالبه. هذا الشعور دائمًا، أو أغلب الوقت، ما يكون أحد أعراض لحالة مرضية كامنة، مثل الاكتئاب، ويجب عليك أن تتواصل مع طبيب متخصص إذا كنت تشعر كثيرًا بهذا الأمر. لكن رغم ذلك توجد العديد من الأشياء التي يمكنك أن تقوم بها للتغلب على الشعور العرضي بالفراغ النفسي، كأن تقوم بكتابة يومياتك، أو تجربة أشياء جديدة، أو تكوين المزيد من الصداقات.
واصل القراءة لتعلم المزيد حول كيفية التوقف عن الشعور بهذا الفراغ القاتل. ابذل كل مجهوداتك للخروج من دائرة اللامعنى، واعلم أنك تتعلم من الألم أكثر مما تتعلم من مباهج وملذات الحياة.
افعل مثلي عندما يضيق صدرك ولا ترى بارقة أمل في الأفق.
استسلم!
أنا مستسلم لإرادة الحياة.
تسليم…
جربت السجن لأول مرة في حياتي.
إنه كالموت تسمع الناس يصفونه ويخشون حلوله، لكنهم لا يعرفونه حق المعرفة إلا إذا حضر. وهو قوة جبارة جرافة، يفتك بفريسته، يشل أطرافها، يخدر فيها الإحساس والإدراك، ويصب في أحشائها الجنون.
السجن هو الموت بلحمه ودمه.
السجن هو الموت المتجدد والعذاب اللانهائي.
السجن هو هذا الوباء الشيطاني الذي يحدق بنا من كل جانب.
السجن هو هذه الفتنة الكبرى القاطعة للأرزاق والمفرقة بين الأب وابنه و المرء وزوجه…
لم تكن المئة يوم من العزلة التي عشتها في زمن الوباء الخربان العفن الرديء الكئيب المضروب بلعنة الشياطين والناعقة في سمائه أسراب البوم والخفافيش… لم تكن أيام الحجر المنزلي خالية من المعنى؛ بل كانت المعنى ذاته لمن أراد أن يعتبر، وكانت مفعمة بدروس الحياة لمن وعى واستبصر.
وفي خضم الحجر، في غياهب هذا السجن، كنت دائما أتساءل: “أنا موجود وغير موجود، ولدي شعور عجيب غريب بانعدام الوزن والغوص في سحابة معتمة بسعة الكون اللامحدود. أنا حي لكن روحي تحلق في مملكة الأموات. كيف لي أن أتحمل كل هذه المعاناة وأنا الرجل الحر العاشق للسر الإلهي المقدس المخفي في اشراقاته وتجلياته الكامنة في كل ألوان وحركات الحياة؟”
سأتحمل، لأن شيئا واحدا يخيفني وهو ألا أكون جديرا بآلامي.
كنت أشتغل نادلا لكن لم يكن ثمة عمل لأمثالي في زمن الحجر.
مئة يوم من العزلة. مئة يوم دون عمل لأن كل المقاهي مقفلة حتى إشعار آخر.
وكانت لدي مدخرات قليلة لأني تعودت منذ سنوات على أن أصرف كل ما أربحه لإيماني الراسخ بشعار وضعته دوما نصب عيني: (المال مثل الدماء في جسم الإنسان.. يجب أن لا يتوقف عن الدوران!).
ولكن مهلا… ما هذا الهراء؟ حتى الشعارات يجب أن تتغير وتغسل، تماما مثل الجوارب!
أنا مستسلم لإرادة الحياة.
تسليم…
ولذا أشار علي العقل وأنا حبيس الجدران الأربعة بلا عمل بأن أقتلع فكرة الاستهلاك من نفسي المعذبة لأقتات بما بين يدي من مدخرات، وإن لم يكن للعقل صوت يسمع في ضجة الحياة وأعاصيرها الهوج، فإن لغريزة البقاء صوتا يعلو على سلطان العقل.
ما العمل وجنوني يستفحل؟ ما العمل وأنا بلا عمل، ونفسي ضاعت مني فجعلت أرمقها بعين الرثاء والأسى؟ ما العمل؟
الطريق طويل والزمن طويل، وما السجن بجولة خاسرة ولكنه مدرسة لكل شيء…
مستسلم أنا لإرادة الحياة.
We Love Cricket

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى