تحاول هذه الدراسة إثبات أن القاعدة الجنائية الوضعية بفلسفتها، وبنيتها الداخلية، والغاية من تشريعها، تلعب دورا مفصليا وتوفيقيا بين التيارين المتباينين: التيار الفقهي-الديني التقليدي القائل بوجوب تطبيق الشريعة وحدها، وبأفضلية الأخيرة على القانون الوضعي. والتيار الوضعي المنافح عن انتفاء أي صلةٍ بين الدين والقاعدة الجنائية الوضعية. وذلك باعتماد الدراسة على القناعة القائمة على قابلية الشريعة لمواكبة تطورات العصر، لتكون زاوية النظر التي تبنتها بمثابة المنطقة الرمادية أو الوسطى التي تجمع «نقيض» كلا الطرفين، لتكون القاعدة الجنائية الوضعية، بناء على ذلك، قاعدةً قائمة على التوجهات الدينية والأخلاقية التي لا يمكن فصل المجتمع عنها. والمُسايِرة للتطورات والمستجدات في مجالات التجريم والعقاب والوقاية. والتي يقوم فيها الإنسان بمهام وأدوار اجتهادية، يسعى من ورائها إلى جلب المنافع ودرء المفاسد. وهو ما لا يمكن أن نفصله عن غاية الشارع الحكيم في تدبيره الأمور الخلق. وإذا كان ما خلصت إليه هذه الدراسة من كون القاعدة الجنائية ما هي إلا تلك البنية المركبة بين ما هو ديني مطلق، وما هو بشري اجتهادي. فإن دعم الطرح بقيام هذه العلاقة الجدلية لن يكتمل إلا بالبحث والنظر فيما يجمع القانون الجنائي الوضعي بالموضوعات الدينية. إذ تم الوقوف على أن القاعدة الجنائية الوضعية لم تقتصر على النهل من النبع الديني وحسب، بل سعت إلى حماية الموضوعات الدينية بكل الوسائل اللغوية الممكنة، والمشكلة لأفضل صياغة متاحة للنص الجنائي الوضعي حتى يتمكن من تحقيق الحماية اللازمة والكافية قدر الإمكان. وهذا ما يدعم وجهة نظر الباحث حول الصلة القوية القائمة بين المطلق والنسبي في الكثير من القواعد الجنائية، الدينية والوضعية معًا.ولعل القارئ الكريم سيجد أن هذه الدراسة متنوعة المشارب والحقول المعرفية وهي بالفعل كذلك، فلا هي بالدراسة القانونية الصرف، ولا بالدراسة الدينية المحض. وإنما هي خليط بين ذلك، أضفنا إليها مصادر ومراجع تعود إلى المجال الفكري والفلسفي وعلم الاجتماع، والتي اعتمدنا عليها في تحليل القاعدة الجنائية لأن الأخيرة ابنة المجتمع أولا. وثانيا، حتى نخرج عن عرف شرح كل حقل بالقواعد التي تنتمي إليه. فقد وجدنا حتى في التفسير الفكري والفلسفي ما قد أعطانا فائدة، وأغنى لنا الموضوع.وأخيرا حتى يتمكن القارئ، كيفما كان تخصصه الأكاديمي، من مواكبة مضامين الدراسة، والتي سعينا، قدر الإمكان، أن تكون سلسة ممتعة، ومفيدة في الآن ذاته.
We Love Cricketمقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق
-
لاللعودة إلى الحجر الصحي2 نوفمبر، 2020