عندما يبدأ الخريف يسدل الستار على موسم فلاحي يتسم مؤخرا بارتفاع شديد لدرجة الحرارة الغير المألوفة، يبدأ موسم جني التمور بواحة زاكورة، هذه الواحة التي توجد بالجنوب الشرقي المغربي و تنقسم إلى سبع واحات موزعة على ضفاف وادي درعة أحد أطول وديان المغرب بحيث يبلغ طوله 1200 كلم منطلقا من جبال الأطلس الكبير وصولا إلى المحيط الأطلسي شمال مدينة طانطان، يبدأ موسم جني التمور في أكثر من مليون نخلة بالواحة و بطرق تقليدية كما ألفها السكان منذ زمن.
لكن بالرغم من ذلك يتساءل معظم كبار السن بالواحة عن التغير الكبير الذي لحق بموسم جني التمور ، يتحدثون كثيرا و كلهم يتفقون على حلقة مفقودة “”البركة “” غابت بغياب الزمن الجميل بالنسبة لهم، إذ يقرون وهم في حسرة وحزن يكاد يسقط الدموع من أعينهم أن الناس في الماضي يجنون التمور في أيام تصل في بعض الأحيان إلى شهر أو شهرين ويمتزج فيها العمل الجاد بالمرح و الفرح طيلة اليوم و تختتم برقصات فلكلورية ورقص وغناء بالمساء، ويتكرر ذلك لتلك الفترة كلها.
أما بخصوص التسويق فالتمر كان يباع بأثمنة رمزية وبكميات كبيرة حيث يتم وزنها بوحدات للقياس تشبه برامل صغيرة مصنوعة إما من الخشب أو الحديد ، كما يتم التصدق للفقراء والمحتاجين و كذا الشعراء الذين يزورون الواحة بين الفينة و الأخرى، أما الآن فالواحة تستغيت و تستنشق أنفاسها الأخيرة مادام أن “”البركة “” غائبة و حل محلها الجشع و الكره و الأنانية والحسد والإبتعاد عن مرضات الله،كلها مفردات ومعاني يرردها الشيوخ في أفواههم كل مرة ويؤكدون أنها السبب الرئيسي الذي أوصل الواحة الى ما عليها الآن، حيث عرفت سنوات من الجفاف وغاب وادي درعة قبل أن ينطلق من ورزازات و غابت أشجار النخيل بغيابه ونقصت المحاصيل و ازداد جشع الإنسان حتى أصبحت التمور تباع في علب لا يصل وزنها الكيلوغرام الواحد وبأثمنة مضاعفة ولكنها في حد ذاتها لا تلبي احتياجاتهم المعيشية حيث بقي معظمهم يعيش في القصور القديمة و بعضهم الآخر هاجر الى المدينة و ترك كل شيئ خلفه، إلى أن يعود الإنسان إلى صوابه ويعود وادي درعة كما كان، و تعود “‘البركة “‘ إلى موسم جني التمور.