آخر الأخبارسياسة

التهراوي يعترف بتدهور المستعجلات ووعود الإصلاح محل شك

اليقين/ نجوى القاسمي

أقر وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، أن أقسام المستعجلات في المستشفيات العمومية تعيش وضعا متدهورا يتجلى في الاختلالات البنيوية والاكتظاظ الحاد وضعف التنظيم، إلى جانب الخصاص المهول في الموارد البشرية. هذا الاعتراف العلني يعكس حجم الأزمة التي تضغط بقوة على واحدة من أكثر حلقات المنظومة الصحية حساسية.

فالوزير لم يكتف بالإشارة إلى الأعطاب العامة، بل أوضح بالأرقام أن عدد الأطباء المختصين في طب المستعجلات لا يتجاوز ثلاثين طبيبا على الصعيد الوطني، في وقتٍ تمثل فيه الحالات غير الاستعجالية ما بين 50 و60 في المئة من الوافدين على هذه الأقسام. وهو ما يضاعف الضغط اليومي على الطواقم الطبية ويدفعهم إلى العمل في ظروف مجهدة تؤثر سلبًا على جودة الخدمات وتعمّق أزمة الثقة بين المواطن والمرفق العمومي.

في هذا السياق، أعلن التهراوي عن خطة استعجالية تمتد لعشرة أسابيع، تروم إعادة تنظيم استقبال المرضى من خلال فرز الحالات وتوحيد البروتوكولات الطبية، إضافة إلى تحسين ظروف العمل داخل المستعجلات وتوفير تجهيزات أكثر ملاءمة، مع تعزيز حضور الطاقم الطبي والتمريضي. كما وعد بإصلاحات هيكلية على المدى المتوسط، تشمل مراجعة تكوين الأطباء في طب المستعجلات، وتطوير شبكة النقل الصحي (SAMU)، وربط مسار العلاج بالملف الطبي الرقمي لتتبع أدق لحالات المرضى.

غير أن هذه الوعود، رغم أهميتها التقنية، تأتي في سياق اجتماعي مشحون، تطغى عليه احتجاجات جيل “Z” التي أعادت طرح سؤال ضعف الخدمات العمومية في قطاعي الصحة والتعليم كأحد أسباب فقدان الأمل لدى الشباب. بالنسبة لهؤلاء المحتجين، لا يكفي الحديث عن خطط استعجالية أو تصريحات رسمية مطمئنة، ما لم يلمسوا على أرض الواقع تحسنًا ملموسا في جودة الاستقبال والعلاج.

هذا الغضب الشعبي وجد طريقه إلى الميدان، حيث شهد المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير خلال الأسابيع الأخيرة موجة احتجاجات حادة، ندد فيها المواطنون بتردي الخدمات وغياب الأطر الطبية وتراكم الحالات في ظروف توصف بأنها «غير إنسانية». صور المرضى وهم يفترشون الأرض أو ينتظرون في الممرات لساعات طويلة تحولت إلى رمز لأزمة عميقة، لا يمكن للبيانات الرسمية وحدها أن تخفيها.

ويرى مهتمون بالقطاع أن ما يحدث في المستعجلات يتجاوز كونه خللا تقنيا أو نقصا في المعدات، فهو في جوهره أزمة ثقة بين المواطن والدولة في الحق في العلاج الكريم. فعندما يتحول البحث عن سرير أو طبيب إلى معركة يومية، تصبح أي خطة، مهما كانت محكمة، مجرد وعود مؤجلة ما لم تُترجم إلى نتائج ملموسة.

ولا تعد تصريحات التهراوي الأولى من نوعها؛ فقد كان الوزير السابق خالد آيت الطالب قد أقر هو الآخر بأن أقسام المستعجلات تعاني من ضغط خانق، لافتا إلى أن ما يقارب 80 % من الحالات الوافدة ليست طارئة فعليا، ما يجعل الوضع أكثر تعقيدا.

كما خلص تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن جودة التكفل داخل المستعجلات تظل بعيدة عن المعايير الدولية، بسبب ضعف التنسيق بين خدمات الإسعاف والمستشفيات العمومية والخاصة، إضافة إلى هشاشة تجهيزات النقل وضعف التكامل بين مكونات المنظومة الصحية.

وبين الوعود الحكومية والتقارير الرسمية والاحتجاجات المتصاعدة، تظل أقسام المستعجلات في المغرب عنوانا لأزمة هيكلية مركبة، لا تكفي فيها الحلول التقنية المؤقتة، بل تحتاج إلى قرار سياسي جريء يعيد لهذه المرافق دورها الحيوي ويُعيد للمواطن ثقته في أن صحته ليست مجرد رقم في التقارير، بل حق أساسي يجب أن يصان.

We Love Cricket

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى