السرار لليقين: تحيين مبادرة الحكم الذاتي يجسد التزام المغرب بالشرعية الدولية ووحدته الترابية

اليقين/ نجوى القاسمي
أكد عبد الغني السرار، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، في تصريح خصّ به جريدة اليقين، أن النقاش الدستوري حول إمكانية تبني الدولة الموحدة لنظام الحكم الذاتي يكتسي أهمية خاصة، بالنظر إلى ما يشهده العالم من تحولات في أنماط التنظيم السياسي والإداري، وما يفرضه ذلك من تكييف دستوري يوازن بين وحدة الدولة وضرورة تدبير الاختلاف والتنوع الترابي.
وأوضح السرار أن الدولة الموحدة، بخلاف الدولة الفيدرالية، تقوم على سلطة مركزية واحدة تدير شؤونها الداخلية والخارجية في إطار دستور موحّد، ومؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية متجانسة. غير أن ذلك لا يمنعها من اعتماد نظام لامركزي متقدم، يتيح توزيعا وظيفيا للسلطات دون المساس بجوهر السيادة الوطنية.
وفي هذا السياق، ميّز الأستاذ بين اللامركزية الإدارية التي تنقل جزءا من السلطة التنفيذية إلى هيئات محلية تحت وصاية الدولة، وبين اللامركزية السياسية التي تمنح للجهات سلطات سياسية أوسع، تصل إلى حدود الحكم الذاتي دون بلوغ مرتبة النظام الفيدرالي.
وأضاف السرار أن عددا من التجارب المقارنة، مثل إيطاليا وإسبانيا، أظهرت إمكانية تطبيق نظام الحكم الذاتي في إطار الدولة الموحدة. فقد نصّ الدستور الإيطالي لسنة 1947 في فصله 115 على حق بعض المناطق في التمتع بالحكم الذاتي، مع تأكيده في المادة الخامسة على أن “إيطاليا دولة موحدة لا تتجزأ”. وبالمثل، اعترف الدستور الإسباني لسنة 1978 بحق المحافظات المتجاورة ذات الخصوصيات التاريخية والثقافية في إقامة نظام حكم ذاتي، مع التشديد في المادة الثانية على أن وحدة الأمة الإسبانية غير قابلة للتجزئة.
وانطلاقا من هذه النماذج، يرى السرار أن المغرب اختار طريقا دستوريا وسياسيا متقدما حين قدم مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، التي وصفها بأنها مشروع وطني مؤسس على الشرعية الدولية ومقومات السيادة الداخلية.
وأوضح أن المبادرة المغربية لم تقتصر على نقل الصلاحيات الإدارية، بل أسست لنظام متكامل من الاختصاصات التشريعية والتنفيذية والقضائية داخل جهة الحكم الذاتي بالصحراء، بما يتيح تدبيرا ديمقراطيا ومحليا للشؤون الداخلية، مع احتفاظ الدولة بالاختصاصات السيادية في مجالات الدفاع والخارجية والأمن والدين.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن المبادرة المغربية تتجاوز في مضمونها توصيات لجنة لاند لعام 1999، من خلال منحها الجهة اختصاصا ماليا ذاتيا، وهو ما لم تعتمده حتى بعض التجارب الأوروبية. كما نصت المبادرة على انتخاب رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي من طرف البرلمان الجهوي وتنصيبه من قبل الملك، ما يعكس انسجامها مع مبادئ النظام البرلماني الديمقراطي.
وتوقف السرار عند المستجدات الأخيرة، مؤكدا أن الاجتماع الذي ترأسه مستشارو جلالة الملك يوم 10 نونبر 2025 بحضور قادة الأحزاب ووزراء الداخلية والخارجية، يأتي تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية من أجل تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، عقب صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797.
هذا التحيين يوضح السرار يهدف إلى جعل المبادرة الأساس الوحيد للتفاوض في إطار السيادة المغربية، وإعطائها مصداقية وشرعية دولية متجددة.
وشدد المتحدث على أن المملكة المغربية، من خلال هذه الخطوة، تؤكد مجددا التزامها بالشرعية الدولية وتشبثها بمسار الحل السياسي الواقعي، القائم على احترام السيادة الوطنية ووحدة التراب المغربي. وأضاف أن إشراك الأحزاب الوطنية في عملية التحيين يترجم الثقة الملكية في النخب السياسية، ويعزز المقاربة التشاركية في تدبير قضية الصحراء المغربية باعتبارها قضية وطنية جامعة لكل المغاربة.
وختم السرار تصريحه بالتأكيد على أن تحيين مبادرة الحكم الذاتي يمثل اليوم مرحلة جديدة في مسار تفعيل الجهوية المتقدمة، ويجسد قدرة المغرب على التوفيق بين احترام الشرعية الدولية والحفاظ على سيادته ووحدته الترابية، مبرزا أن “المملكة تقدم نموذجا فريدا لدولة موحدة قادرة على إبداع حلول ديمقراطية لتحدياتها الترابية في انسجام تام مع روح الدستور ومقاصد الأمم المتحدة”.
We Love Cricket



