
اليقين/نجوى القاسمي
يذكر التاريخ أن العلاقات بين العقيد الليبي معمر القذافي والملك الراحل الحسن الثاني كانت محفوفة بالتوتر والخلاف، حيث شكل نزاع الصحراء أحد أبرز نقاط الاختلاف بين الطرفين. ومع حلول اليوم 6 نونبر 2025 الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، تعود بكم موقع اليقين إلى تلك اللحظات التاريخية التي بصمت مسار ملف الصحراء المغربية، وتكشف عن تفاصيل لم يعرفها الكثيرون.
في عام 1975، وبينما كانت المملكة المغربية تستعد لإطلاق المسيرة الخضراء، تلك العملية السلمية المدهشة التي جمع فيها الشعب كله على قلب واحد، جاء القذافي برسالة يحمل فيها رغبة واضحة: المشاركة على رأس وفد ليبي لدعم المغرب في إخراج المستعمر الإسباني من الصحراء.
لقد أبدى القذافي دعمه ألفا في المائة، متحدثا بلغة الثوار، وكأنه يشاطر الملك في حلم الوطن الكبير.
لكن الملك الراحل، الذي كان يعرف دواخل السياسة وأسرار النفوس، لم يصدقه، فقد كان يشعر أن وراء تلك الكلمات ثمة ما يُخطط في الظل.
وفي كتابه “ذاكرة ملك” يسرد الحسن الثاني موقفه قائلا:
وجه لي القذافي عام 1975 برقية رسمية يعبر فيها عن دعمه الكامل، ويرغب في القدوم إلى المغرب لمواجهة الاستعمار لكنه كان يعلم أن المشاركة الليبية قد تتحول إلى فتنة إذا لم تُحكم السيطرة عليها
وعندما التقى الملك مع القذافي بعد تسع سنوات، في 13 غشت 1984 بمدينة وجدة، أقر بصراحة أنه لم يكن يخشى الرفض، بل كان يرفض المشاركة حفاظا على سلامة المسيرة الوطنية وسلامة المشاركين فيها، قائلا لو كنتم شاركتم في المسيرة، هل كنتم ستلتزمون بالرجوع عندما أمرت بذلك؟ كانت الإجابة واضحة في عقلي: لا.
وأضاف: كان من الأفضل ألا تشاركوا، فقد كنت سأضطر إلى اقتيادكم إلى الحدود بواسطة الدركيين، وما كان ليحدث آنذاك لكان حادثا دبلوماسيا مروعا
وبالفعل، رغم أن المسيرة الخضراء حققت أهدافها التاريخية، وتوجت بإنجاز اتفاقية مدريد، وضمن المغرب وحدته الترابية
و استمر القذافي في مد جبهة “البوليساريو” بالمال والسلاح، متحالفا مع الرئيس الجزائري هواري بومدين انذاك، كاشفا عن أن السياسة في بعض الأحيان تُحاك في الخفاء بعيدا عن أعين العالم.
اليوم، وبعد نصف قرن، تظل المسيرة الخضراء رمزا للوعي الوطني، ودليلا على حكمة القيادة في اتخاذ القرارات المصيرية، ورسالة للأجيال أن حب الوطن والتبصر في إدارة شؤونه أعظم من أي كلمات أو وعود، وأن التاريخ يكتب نفسه بعزم القادة وشجاعة الشعوب.
We Love Cricket



