
اليقين/ نجوى القاسمي
كشف المجلس الأعلى للسلطة القضائية عن حزمة من الإصلاحات البارزة التي تضمنها مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، خصوصاً تلك المتعلقة بتنفيذ العقوبات المالية ومساطر الإكراه البدني، واصفاً هذه المستجدات بأنها “تحول نوعي” في تدبير الغرامات وأساليب التحصيل وضمان حقوق المحكوم عليهم.
وتأتي هذه التعديلات في إطار جهود وطنية لتعزيز فعالية المنظومة الزجرية، بعدما أظهرت معطيات رسمية أن متوسط الغرامات التي تصدرها المحاكم يصل إلى 50 مليون درهم سنويا بينما لا يتعدى التحصيل الفعلي 14 مليون درهم، وهو ما اعتبره مهنيون دليلاً على محدودية النظام التقليدي للتحصيل وضعف مردوديته.
توسيع دائرة المتدخلين واعتماد الأنظمة الرقمية
وحملت المادة 633 أولى التغييرات الكبرى، حيث وسّعت الجهات المؤهلة لاستيفاء الغرامات والمصاريف القضائية لتشمل المفوضين القضائيين وأعوان وضباط الشرطة القضائية، إضافة إلى كتابات الضبط. كما نصت على إدراج الغرامات داخل أنظمة معلوماتية مرتبطة بالخدمات العمومية، بهدف تسهيل الأداء والحدّ من التملّص.
وأكد المجلس أن هذا التوسيع سيُسهم في رفع وتيرة تنفيذ الأحكام، خاصة في القضايا التي كانت تعرف تعثراً تقنياً أو إداريا
وفي انسجام مع الممارسات الدولية، منحت المادة 634-1 المحكوم عليه بالغرامة أجلاً يصل إلى 30 يوما من تاريخ التبليغ لأداء ما عليه، مع الاستفادة من تخفيض يؤدي بموجبه ثلثي مبلغ الغرامة فقط في حال الأداء داخل المهلة.
ويهدف الإجراء، وفق مذكرة المجلس، إلى تشجيع الأداء الطوعي وتقليل اللجوء إلى الإكراه البدني، الذي يرهق النيابة العامة ومؤسسات السجون، كما يتسبب في تداعيات اجتماعية واسعة.
وتتوافق هذه المستجدات مع اجتهادات محكمة النقض، ولا سيما القرار رقم 392/2022 الذي يمنع تطبيق الإكراه البدني على من يتجاوز سن 60 عاماً.
كما جاءت المادة 634 بتنظيم دقيق لترتيب توزيع المبالغ المستخلصة عند عدم كفايتها، بدءا بالمصاريف القضائية ثم التعويضات فالغرامات. وتم لأول مرة تحديد عتبة دنيا للإكراه البدني، بحيث لا يجوز تطبيقه إذا كانت المبالغ موضوع التنفيذ أقل من 8000 درهم، في خطوة تروم تعزيز مبدأ التناسب ومنع سجن الأشخاص بسبب مبالغ محدودة.
وفي السياق نفسه، قدمت المادة 638 نظاما واضحا لمدة الإكراه البدني، يتراوح بين 15 يوما و15 شهرا حسب قيمة المبلغ، مع احتساب المدة بناء على مجموع الديون في حال تعددها.
كما رسخت المادة 637 مقاربة حقوقية عبر منع تنفيذ الإكراه البدني بشكل متزامن على الزوجين، وعدم تطبيقه على الحوامل والمرضعات، وعلى الأشخاص البالغين 60 سنة فما فوق.
تجاوز إشكالات الاختصاص ومنح ضمانات إضافية
وبموجب المادة 639، تم توسيع نطاق الجهات المختصة بتلقي طلبات الإكراه البدني ليشمل وكيل الملك بالمحكمة التي باشرت التحصيل أو المحكمة المنتدبة، في محاولة لمعالجة تعارض الاختصاصات الذي كان يعيق عدة ملفات.
كما حدّدت المادة 635 شروط اللجوء للإكراه البدني وأتاحت إعفاء الأجانب الذين يقدمون شهادة عدم الخضوع للضريبة، في انسجام مع المعايير الدولية وحماية حقوق الأجانب.
وتعد المادة 640 من أبرز الإصلاحات، إذ اشترطت الحصول على موافقة قاضي تطبيق العقوبات قبل تنفيذ الإكراه البدني، مع فتح الباب أمام الطعن في قراراته داخل أجل 10 أيام من الإشعار، تعزيزا لمبدأ الشفافية وضمانات المحاكمة العادلة.
We Love Cricket




