المسيرة الخضراء والتنمية المستدامة: رؤية ملكية استراتيجية لتعزيز الوحدة الوطنية وتطوير الأقاليم الجنوبية

اليقين/ نجوى القاسمي
في سياق إحياء الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، تستحضر المملكة المغربية هذا الحدث الوطني الخالد الذي شكل محطة فاصلة في مسار استكمال الوحدة الترابية للمغرب، إذ تمكن المغاربة بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني من تحقيق نصر تاريخي استثنائي دون إراقة قطرة دم واحدة، وبأسلوب سلمي حضاري فريد في التاريخ المعاصر. حول دلالات هذا الحدث ورمزيته في الذاكرة الوطنية، تحدث الأستاذ مصطفى جياف، المحامي بهيئة الرباط والناطق الرسمي باسم الهيئة المغربية للوحدة الوطنية، في حوار خص به موقع اليقين
بعد مرور خمسين سنة على المسيرة الخضراء، كيف يمكن تقييم مكانتها في الذاكرة الوطنية المغربية؟
قال الأستاذ مصطفى جياف إن المسيرة الخضراء تعد محددا وطنيا كبيرا، وحدثا استثنائيًا في تاريخ المغرب والإنسانية جمعاء، مشيرا إلى أنها ثمرة عبقرية الراحل الحسن الثاني الذي أبدع في ابتكار وسيلة سلمية لاسترجاع الصحراء المغربية دون إراقة قطرة دم واحدة.
وأوضح أن جميع الحضارات عبر التاريخ حين طاردت المستعمر كانت تفعل ذلك بالنار والحديد، بينما المغرب اختار طريقًا حضاريًا غير مسبوق، هو المسيرة الخضراء، التي تمكن من خلالها من استرجاع أراضيه بطريقة سلمية أمام أنظار العالم بأسره”.
وأضاف أن هذا الحدث طبع الذاكرة الوطنية المغربية والذاكرة الإنسانية عمومًا، لأنه لم يُسجل في التاريخ أن دولة استعادت أرضها من قوة محتلة عبر زحف شعبي سلمي مكوّن من الرجال والنساء، حاملين الأعلام الوطنية والمصاحف في مشهد مهيب، دون إطلاق رصاصة واحدة”.
وأكد جياف أن ما وقع في 6 نونبر 1975 كان “حدثًا عبقريًا بكل المقاييس، إذ استطاع المغرب بقيادة ملكه الراحل أن يبرهن على أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح، بل في الإيمان بالوحدة والحق التاريخي. واعتبر أن إعلان 6 نونبر يومًا وطنيًا هو تجسيد رمزي لتخليد هذا النصر السلمي الذي أصبح من المناسبات المؤسسة للهوية المغربية الحديثة.
كما أبرز أن هذا الحدث المتميز ترسخ في الوجدان المغربي جيلاً بعد جيل، فمن عايش المسيرة الخضراء إلى الأجيال الجديدة من جيل Z وAlpha، الذين وإن لم يعيشوا الحدث، إلا أنهم يحملون رمزيته في قيمهم ومبادراتهم وأخلاقهم وموروثهم الثقافي، لأنه يمثل بالنسبة لهم درسا في الوطنية والذكاء الجماعي.
الأستاذ مصطفى جياف اكد في تصريحه على أن “المسيرة الخضراء لم تكن مجرد لحظة سياسية، بل كانت نقطة تحول حضارية وإنسانية في تاريخ الأمة المغربية، تُذكّرنا جميعًا بأن الوحدة والسيادة تبنى بالإيمان والعزيمة والإصرار، وأن روح المسيرة ستبقى منارة تهدي الأجيال القادمة نحو حب الوطن والدفاع عن وحدته الترابية”.
هل يمكن اعتبار التحولات الاقتصادية التي تعرفها مدن مثل العيون والداخلة استمرارا عمليا للمسيرة في بعدها التنموي؟
قال الأستاذ مصطفى جياف إن المسيرة الخضراء لم تكن فقط مسيرة من أجل استرجاع الأراضي المحتلة، بل كانت في جوهرها مسيرة من أجل التنمية بكل أبعادها: الاقتصادية، الاجتماعية، والفكرية. وأوضح أن البيان الصادر سنة 1975 عبّر عن الإرادة الشعبية في استرجاع الصحراء، لكن الرؤية الملكية كانت أعمق من مجرد تحرير الأرض من المستعمر، بل تحرير الإنسان من الفقر والهشاشة والتبعية.
وأضاف أن الملك الراحل الحسن الثاني، مباشرة بعد اعتلائه العرش، أطلق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي شكلت امتدادًا لروح المسيرة، إيمانًا منه بأن العنصر البشري هو محور كل تنمية، وأن الاستثمار في الإنسان هو أساس أي تقدم حقيقي. وقال جياف: “حين نتأمل في فكر الحسن الثاني، نجد أنه جعل التنمية البشرية قبل الاقتصادية أو الاجتماعية، لأنه كان يؤمن بأن الإنسان هو قطب الرحى في كل نهضة”.
واستحضر في هذا السياق قول الملك الراحل محمد الخامس بعد الاستقلال: “انتقلنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، موضحًا أن الجهاد الأصغر كان طرد المستعمر، أما الجهاد الأكبر فهو التنمية والبناء والتحديث. وأضاف أن الملك الحسن الثاني جسّد هذا المفهوم عمليًا عبر إطلاق مشاريع كبرى للبناء والتعمير والاقتصاد، فيما واصل الملك محمد السادس نفس النهج، جاعلًا من المغرب ورشًا مفتوحًا للتنمية الشاملة منذ اعتلائه العرش.
وأشار الأستاذ مصطفى جياف إلى أن النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي أطلقه الملك محمد السادس جاء ليترجم رؤية استراتيجية متكاملة لتنمية هذه المناطق، من خلال مشاريع ضخمة في مجالات الطاقة النظيفة، والصيد البحري، والفوسفاط، والبنيات التحتية، والتعليم، والثقافة، والشباب.
وقال جياف من يقارن حال الأقاليم الجنوبية سنة 1975 بما هي عليه اليوم، يلاحظ التحول النوعي الهائل الذي عرفته هذه المناطق. فمدن مثل العيون، الداخلة، والسمارة أصبحت فضاءات حضرية متطورة، تحتضن مشاريع اقتصادية كبرى ومؤسسات عمومية حديثة، مما جعلها بالفعل جنة تنموية على أرض الصحراء.
برأيكم، ما رمزية مشروع ميناء الداخلة الأطلسي في سياق التنمية والتموقع الجيو–اقتصادي للمغرب؟
أكد الأستاذ مصطفى جياف، المحامي بهيئة الرباط والناطق الرسمي باسم الهيئة المغربية للوحدة الوطنية، أن رؤية جلالة الملك محمد السادس في تطوير الموانئ الوطنية تمثل اختيارا استراتيجيا حكيما، جعل من المغرب قوة بحرية واقتصادية صاعدة في محيطه الإقليمي.
وأوضح أن المملكة أصبحت اليوم “محاطة بشبكة موانئ متكاملة” مثل ميناء طنجة المتوسط، ميناء الناظور، ميناء القنيطرة، ميناء الداخلة الأطلسي، وميناء العيون، وهي مشاريع ضخمة تترجم الإرادة الملكية في استثمار الثروات البحرية وتعزيز الربط القاري بين أوروبا وإفريقيا.
وأضاف أن ميناء الداخلة الأطلسي يمثل “البوابة الحقيقية للمغرب نحو العمق الإفريقي”، وموقعا استراتيجيا في مواجهة القارة الأمريكية، مؤكدًا أن المغرب “دولة كاملة السيادة على أراضيها ومياهها وموانئها، ولا تحتاج لأي وصاية أو تنازل في هذا المجال”.
وختم جياف تصريحه بالتأكيد على أن هذه المشاريع المينائية الكبرى “ستجعل من المغرب مركزا محوريا في التجارة الدولية، وعصبا اقتصاديًا يربط شمال العالم بجنوبه، بما يعزز مكانته الجيوستراتيجية ويخدم مصالحه الوطنية العليا
We Love Cricket




