
اليقين/ نجوى القاسمي
رغم تأكيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أن أسعار الأدوية والتعريفة الرسمية للأعمال الطبية لم تعرف أي زيادة، إلا أن الواقع الميداني يروي قصة مختلفة، عنوانها تكاليف علاجية باهظة، وأدوية أساسية مفقودة، ومرضى يواجهون صعوبات متزايدة في الولوج إلى العلاج.
الوزير أوضح خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين أن التعريفة الوطنية المرجعية المعتمدة تعود إلى سنة 2006، وأن الوزارة تعمل على مراجعتها وتفعيل آليات التكفل وتعزيز دور التأمين الإجباري عن المرض لتخفيف العبء المالي على المواطنين. غير أن استمرار اعتماد تعريفة قديمة يكشف اختلالا عميقا في بنية المنظومة الصحية التي لم تواكب التحولات المتسارعة في أسعار الخدمات والأدوية.
ورغم الإشارات الإيجابية التي قدمها الوزير، فإن آلاف الأسر المغربية تعيش واقعا صحيا مختلفا، يتجسد في ارتفاع ملموس لتكاليف العلاج في المصحات الخاصة وندرة بعض الأدوية الحيوية.
وبرر التهراوي الشعور بارتفاع الكلفة بزيادة الإقبال على خدمات العلاج بعد تعميم التأمين الإجباري عن المرض، إذ ارتفع عدد المستفيدين من 8,6 ملايين سنة 2021 إلى أزيد من 24 مليون مستفيد سنة 2025. غير أن هذا التوسع لم يُترجم إلى تحسين فعلي في العدالة الصحية أو في ضمان الولوج السلس والمتكافئ للعلاج.
في المقابل، تتسع الهوة بين ما يعلنه المسؤولون وما يعيشه المرضى على أرض الواقع. فالكثير من الأسر تجد نفسها مضطرة للبحث عن الأدوية المفقودة في السوق السوداء بأسعار مرتفعة، أو الاستغناء عن العلاج كلياً بسبب كلفته الباهظة. ويبرز مرضى السرطان كأحد أكثر الفئات تضرراً، حيث تصل كلفة بعض الأدوية إلى أربعة ملايين سنتيم للعلبة الواحدة، دون أن تشملها التعويضات، ما يجعل العلاج بعيد المنال عن الفئات محدودة الدخل.
ويرى متتبعون أن مراجعة الأسعار والتعريفة المرجعية، رغم أهميتها التقنية، لا يمكن أن تحدث الأثر الحقيقي ما لم ترفق بإصلاح شامل لمنظومة توزيع الأدوية وضمان توفرها في السوق، إلى جانب توسيع قائمة الأدوية القابلة للتعويض، خاصة المرتبطة بالأمراض المزمنة والخطيرة. كما أن الإجراءات المتعلقة بالرقابة على الفوترة والتعويضات لن تكون ذات جدوى إذا لم تضمن المنظومة الصحية عدالة فعلية في الاستفادة من العلاج.
أمام هذا الواقع، تبدو الفجوة واضحة بين الخطاب الرسمي المطمئن والواقع الصحي المتأزم. فبينما تتحدث الحكومة عن تخفيف العبء المالي، يواجه المواطنون فاتورات متزايدة، وأدوية مفقودة، وتعقيدات إدارية تجعل العلاج تحديا يوميا. الإصلاح الحقيقي، وفق مراقبين، لا يمر فقط عبر تعديل الأسعار أو إصدار البروتوكولات العلاجية، بل عبر ضمان حق أساسي في الولوج إلى العلاج والدواء بشكل متكافئ، وبكلفة عادلة، وهو ما لا يزال بعيد المنال.