من خلال تحليل مضمون قاموس المصطلحات في تطورها و دينامية معانيها و كذلك بالاعتماد على الصيغ و العبارات التي تندرج ضمنها هذه المصطلحات، يتضح أن صياغة قرارات مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية قد عرفت تحولا تدريجيا في تجاه التخلي عن اللغة الرمادية إلى تبني مصطلحات دقيقة تتلاءم مع ما تقتضيه التسوية السياسية.
– الاستفتاء: مصطلح اختفى كليا من قاموس قرارات مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية، و قد يأتي فقط في تسمية بعثة المينورسو و لكن لم يُذكر إطلاقا منفصلا و مستقلا بمعناه الاصطلاحي.
– تقرير المصير: عندما يذكر هذا المصطلح مرة أو مرتين يكون دائما مقترنا بشرطين أساسيين يحيطان به و يؤطرانه و هما أولا أن يتفق مع شروط التوافق و الواقعية و الرغبة في التسوية التي يأتي ذكرها مسبقا لتحديد معناه، و يتم ربطه في غائيته بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة و في مقدمتها مبدأ الوحدة الترابية و سلامة الأراضي؛ ثانيا يقترن ذكره دوما بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي في إشارة إلى كونها تحقق معادلة التوفيق بين تقرير المصير و احترام مبدأ السيادة و السلامة الإقليمية territorial integrity .
– التوافق و الرغبة في التسوية: من 2008 إلى 2017 تم ذكره مرة واحدة في كل قرار لمجلس الأمن. في سنة 2018 حدث تطور مهم عندما أُعيد ذكره 3 مرات. سنتي 2019 و 2020 : تمت إعادة ذكره 5 مرات في كل قرار بما في ذلك 3 مرات في الجزء التقريري من القرار، و هو ما يوحي بتحول حاسم في التصور الأممي و الدولي لمدخلات حل النزاع .
– الواقعية: من 2008 إلى 2017 تم ذكر هذا المصطلح مرة واحدة في كل قرار لمجلس الأمن بناءا على توصية المبعوث الأممي السابق فان فالسوم الذي عبر في آخر تقرير له سنة 2008 عن استحالة الاستفتاء و دعا إلى التحلي بالواقعية. سنة 2018: ذُكر مرتين . ثم سنتي 2019 و 2020 : تمت إعادة ذكره 3 مرات في كل قرار خاصة و أنه ظهر مرتين في الجزء التقريري، و بالتالي أصبحت الواقعية تشكل بوصلة الحل السياسي و هو ما يعني أن الجري وراء الانفصال يرادف الجري وراء السراب.
– الحل العملي: ذُكر لأول مرة في قرار 2018 و أُعيد ذكره مرة واحدة في القرارات الصادرة سنتي 2019 و 2020، و هذا المصطلح يشكل دعوة للأطراف الأخرى إلى الاقتراح و نيل ماهو ممكن عمليا بدل الارتكان إلى أطروحات نظرية جامدة و بائدة.
الجزائر : تم ذكرها لأول مرة سنة 2018 حيث تكرر اسمها 3 مرات ثم تكرر اسمها 5 مرات سنتي 2019 و 2020 في كل قرار و ذُكرت بالإضافة إلى ذلك مرتين تحت وصف ” دولة جارة”. في المجموع تم ذكر الجزائر 7 مرات في القرار الأخير و هذا دليل على أن مجلس الأمن أمسك الملف بشكله الكامل و من موضعه الصحيح.
من خلال تحليل مضمون قاموس قرارات مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية نسجل 4 استنتاجات محورية و في غاية الأهمية لفهم التحول الحاصل في تدبير النزاع على صعيد الأمم المتحدة و في إطار صلاحيات مجلس الأمن بمقتضى الفصل السادس من الميثاق الاممي:
1. مصطلح الاستفتاء تم إقباره نهائيا و كل من يتحدث عن الاستفتاء فهو يتحدث عن أهواء و أوهام موجهة للاستهلاك الحماسي في مخيمات تندوف أو في وسائل الإعلام الجزائرية
2. حق تقرير المصير غاية و ليست وسيلة و لذلك ذهب مجلس الأمن إلى التأكيد بقوة على الشروط الكفيلة بالوصول إليه و هي التوافق و الواقعية و الرغبة في التسوية العملية. من هذا المنطلق، تقرير المصير لا يمكن أن يكون إلا داخليا، و هو ما يتجسد على أرض الواقع من خلال الجهوية الموسعة و قد يتطور إلى صيغة للحكم الذاتي متفاوض بشأنها و متماشية مع الشرعية الدستورية و التجارب الدولية في تعزيز صلاحيات و اختصاصات الأقاليم في إطار احترام وحدة الدول و سيادتها. أما على الصعيد الاقتصادي يجد مبدأ تقرير المصير تفعيله السليم و الواقعي في النموذج التنموي الأقاليم الصحراوية الذي ينسجم مع الحق في التنمية باعتباره أحد لبنات حق تقرير المصير.
3. منذ 2018 ترسخت القناعة لدى مجلس الأمن الدولي بأن مشروع الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 يشكل إطارا مناسبا تتحقق في إطاره الشروط التي يُعاد التأكيد عليها بقوة في القرارات الثلاث الأخيرة لمجلس الأمن بين 2018 و 2020، و هي التوافق و الواقعية و الرغبة في التسوية العملية.
لقد أعاد مجلس الأمن تعريف نزاع الصحراء منذ 2018 بوصفه نزاعا إقليميا و بالتالي يقتضي جلوس الطرف الحقيقي في النزاع و هو الجزائر على طاولة المفاوضات و هذا ما يحتم عليها أن تغير موقعها التقليدي كجزء من المشكلة إلى أن تصبح جزءا من الحل. لكن هذا التحول المأمول لا يمكن أن يحدث إلا في إطار تغيير جذري في عقيدة العسكر الجزائري وتجديد كلي للهيكل النظري الذي تقوم عليه الدبلوماسية الجزائرية.