طورينو.مدينة مغربية ومثلث الموت للمهاجرين”..هذه أسباب عشق المغاربة لإيطاليا
كرام هشام
مع تعاقب موجة الهجرة المغربية إلى إيطاليا ،خاصة بعد أن فرضت فرنسا إجراءات التأشيرة أواسط الثمانينات من القرن الماضي، تحول المغاربة إلى طريق آخر وأضحت الجالية المغربية الأكبر عرببا وإفريقيا ، بإيطاليا وثاني أكبر جالية في هذا البلد الأوروبي الكبير .
وإذا كان المغاربة ينتشرون في كافة الجهات فإنهم يشكلون أكبر جالية بمنطقة “البيمونتي ” وبالضبط ،مدينة طورينو .
تقدر السلطات الإيطالية عدد المغاربة المقيمين بهذه المدينة ب30 ألف مغربي حسب إحصاء 2021 ،منهم أكثر من 4000 يحملون الجنسية الإيطالية ، رغم أن هذا الرقم لا يحتسب أعداد المقيمين بطرق غير شرعية ، والذي ربما يوازي عددهم إن لم يكن يتجاوزه .
أكبر جالية وليس صدفة ،أن تأخذ طورينو في وقت من الأوقات لقب لفقيه بن صالح
بالتأكيد طورينو مدينة شبح ،وكما يقول المغاربة مدينة “ولافة ” تحتضن كل الأعراق، وتتعايش بها جميع البيئات الإجتماعية .
تبدو للوهلة الأولى وبعد زيارة قصيرة طورينو مدينة ككل مدن إيطاليا ،هندسة،ومعمار،وتركز للنشاط الإقتصادي في وسط المدينة لكن هذا يختلف في عاصمة البييمونتي إذ تتجاوز ذلك بكثير ، حيث تنتشر جل الصناعات المشهورة ،على -تراجعها في السنوات العشر الأخيرة – ، خارج المدينة .
الغريب أن مغاربة هذه المدينة يتواجدون على رقعة المدينة بأكملها، خاصة وأنهم ينتمون تقريبا لكل الفئات الإجتماعية: تجار ،عمال ،أصحاب المقاولات خاصة تلك الغذائية، إلى جانب قطاع الخدمات، حيث تزدهر المطاعم المغربية ، ولن تصيبك الدهشة أن يتواجد في نفس المكان مطعم إيطالي ، وبجانبه آخر مغربي ،على طول وعرض المدينة.
تورينو تغيرت في السنوات الأخيرة ،مصانع “الفيات” وما يرتبط بها من خدمات أخرى أثر بشكل كبير على إقتصاد المدينة وقوتها الإقتصادية ،لكنها ظلت وفية للمهاجرين المغاربة في ألفتها ،حيث يلتقي أفراد الجالية في أشهر ساحة بالمدينة” بورتا بالاس ”
محورها ساحة “لاريبوبليكا” التي بمساحتها الكبيرة تشكل أكبر ساحة بالمدينة “الواقعة الجهة الشمال الغربي لمركز المدينة كقاطع ما بين”كوادريلاتيرو رومانو “ومنطقة “بوغرجو دورا بالون ” وبها بر سوق أوروبي مفتوح .
هنا لقاء المغاربة ،هنا كل الجاليات تتلاقى، وإن كان الطابع المغربي في اللباس والمقاهي والأكل وطرق البيع والحديث، يغلب عليها طابع المغرب العميق .
قد تحسب نفسك في “القريعة ، وأحيانا تكاد تجزم أنها مدينة مغربية قحة، لا تختلف عن أي مدينة متوسطة حمل إليها المغاربة عاداتهم الجميلة وكذلك القبيحة .
خريبكة، بني ملال، الفقيه بنصالح، من هؤلاء تتشكل معظم الجالية المغربية المقيمة في هذه المدينة، رغم تراجعها بعض الشيئ في سنوات الأزمة الأخيرة ، لفئات أخرى من مناطق مغربية أخرى، كبرت الجالية المغربية هنا بشكل كبير يفوق بكثير مدينتي “ميلانو “ومن” بولونيا “.
يسميها البعض ،أو “مثلث الموت بالنسبة للمهاجرين” وخاصة الغير الشرعيين ،ولكن المغربي يعتاد كثيرا على المدينة ،تجدهم يحفظون طرقها، ويعرفون أغوارها، وقد يمضي بكثير منهم الزمن فلا يكاد يعرف من كل إيطاليا سواها .
يقول “أ.ب” “تورينو ،بورتا بالاس …أخرج من البيت فأجد نفسي في المغرب ” يقول هذا الفتى المغربي القادم قبل سنوات للدراسة ،ضاحكا لمراسل جريدة اليقين الالكترونية .”هنا يجهز النساء المغربيات لمسمن والحريرة، وهنا إخترت العيش”.
لكن الواقع أن بورتا بالاس غدت مع مرور الزمن، رغم موقعها من حياة الجاليات جميعا وليس الجالية المغربية فقط، نقطة رمادية في كثير من الأحيان ويسود الخوف خلالها، وقد تكون ساحة للمعارك بين عصابات إجرامية ، تجعل المرور منها بمثابة الخطر ،بل إنها من النقاط الأكثر سوادا في المدينة .
لا يكفي التجول في المدينة لفترة قصيرة لأخذ إنطباع واحد ، إذ تختلف الجالية في أعمالها ونماذجها، وقد تجد إلى جانب العامل الذي يسعى وراء رزقه ،شكلا جديدا من الهجرة إذ تضم طورينو بين جنباتها عددا لا بأس به من الطلاب المغاربة، شكلوا في السنوات الأخيرة جالية مغربية جديدة أكثر إندماجا ،ولا تقف طلباتها عند القيام ببعض الأعمال التجارية والخدمات، بل تسعى لتقديم صورة جديدة للمهاجر المغربي بإيطاليا، وتورينو بشكل خاص ، مستغلين منح الدراسة التي تمنحها المؤسسات الجامعية المنتشرة ، على قلتها ،وطامحين لتغيير زمن، كان المغربي عاملا بسيطا لا طموح له. أو أقصى طموحة جمع مال وشراء سيارة وبناء منزل .
في السنوات الأخيرة صارت طورينو مدينة صعبة المراس ،أزمتها الإقتصادية جعلت كثيرا من المهاجرين المغاربة يعودون أدراجهم إلى بلدهم وفي حالات أخرى يبحثون عن مكان آخر إما في إيطاليا نفسها أو إلى بلدان أوروبية مجاورة .
لكن الأغلبية على إتساع الأزمة لا يزالون يطمحون في عودة زمن تورينو الجميل حيث الحياة، سهلة والبحث عن عمل ترفا وليس غاية، وجمع المال أسهل من شربة ماء.
يقدم المغاربة رغم ظروفهم ،في هذه المدينة المترامية الأطراف مثالا للتعايش في أوروبا قد تختلف مشاكل تواجدهم ،لكن حب الجالية الكبير لهذه المدينة، لن تجد أدق ما يصفه من أحاديث المغاربة أنفسهم عنها .
كيف لا وهي التي الذي إحتضنت لعقود طويلة أحلامهم وأحلام آبائهم ، و لإن كان الأوائل حققوا جزءا منها، فلا ضير أن يعيش الأواخر بعضا مما وجدوا عليه مدينتهم، وعن حق هي مدينتهم ،تخاصهمم ويخاصمونها عسى أن يأتي زمن آخر من يصالحونها فيه وتصالحهم طورينو.