آخر الأخبارخارج الحدود

عامان ونصف من النزاع في السودان: مأساة المدنيين وفشل الحلول الدولية

اليقين/ نجوى القاسمي

استيقظ السودانيون في 15 أبريل 2023 على أصوات الرصاص والمدافع، وسط تحليق الطائرات الحربية فوق المدن، لتبدأ حرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لم يكن أحد يتوقع أن تستمر طويلا. اليوم، بعد عامين ونصف، لا تزال البلاد تعيش صراعا دمويا تسبب في دمار واسع وانهيار المؤسسات، وسقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، بالإضافة إلى موجات نزوح ولجوء هائلة.

كيف بدأت الحرب؟

انطلقت الحرب بعد خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، لكن الأسباب الحقيقية للصراع أعمق، إذ تدور حول السلطة والثروة والنفوذ في دولة هشّة منذ سقوط نظام عمر البشير عام 2019. وفي يناير 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن قوات الدعم السريع وحلفاءها ارتكبوا إبادة جماعية في دارفور، مع توجيه اتهامات للطرفين بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة.

الأطراف الدولية ودورها في الصراع

لا يواجه البرهان وحميدتي الحرب بمفردهما، إذ يحظى كل منهما بدعم دولي يسعى لتحقيق مصالح اقتصادية واستراتيجية في السودان. تتهم الحكومة السودانية الإمارات العربية المتحدة بتمويل وإرسال أسلحة إلى قوات الدعم السريع، بينما تنفي أبوظبي هذه الاتهامات. كما يُعتقد أن تشاد وبعض دول الساحل تُستخدم كممرات لتهريب الأسلحة والوقود.

خلال جلسة مجلس الأمن في 30 أكتوبر 2025، أكد مندوب السودان لدى الأمم المتحدة أن ما يحدث ليس حربا أهلية، بل عدوانا خارجيا تنفذه الإمارات عبر قوات الدعم السريع، مشددًا على تورطها في قتل المدنيين وإرسال الذخيرة والطائرات إلى مناطق النزاع.

الوضع على الأرض: الخرطوم والفاشر

تحولت مناطق واسعة من السودان إلى ساحات قتال مفتوحة. أصبحت العاصمة الخرطوم مدينة أشباح، بينما تشهد الفاشر فظائع جماعية بعد أن سيطرت عليها قوات الدعم السريع، عقب حصار دام 18 شهرا منع خلاله دخول الغذاء والمواد الأساسية لمئات الآلاف من المدنيين.

أظهرت مقاطع فيديو ومعلومات من منظمات حقوقية أن مقاتلي الدعم السريع نفذوا إعدامات وتعذيبًا جماعيًا للمدنيين، مع دوافع عرقية في بعض الجرائم. وأكدت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وقوع عمليات قتل ميدانية لأشخاص حاولوا الفرار، في حين وثّقت منظمات طبية مثل شبكة أطباء السودان هجمات على المستشفيات.

تؤكد صور الأقمار الصناعية وبيانات الاستشعار عن بعد، بحسب مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل (HRL)، وقوع عمليات قتل جماعي بالفاشر، مع دلائل على وجود تجمعات من الأجسام وبقع دماء في مناطق عدة.

الأزمة الإنسانية: أرقام مأساوية

المدنيون هم الضحايا الأكبر للحرب. فقد وثقت وزارة الصحة السودانية حتى أبريل 2025 مقتل 12 ألف مدني وصلوا إلى المستشفيات، فيما تشير لجنة الإنقاذ الدولية إلى أن إجمالي عدد القتلى يبلغ 150 ألف شخص، مقارنة بتقديرات الأمم المتحدة التي بلغت حوالي 20 ألفًا. في الخرطوم وحدها، توفي أكثر من 61 ألف شخص منذ بداية الحرب وحتى يونيو 2024، وفق كلية لندن للصحة العامة.

منذ أبريل 2023، نزح 12 مليون شخص داخل السودان، وفرّ 4.3 ملايين إلى دول الجوار، وفي الفاشر نزح أكثر من 26 ألف شخص خلال يومين، ولا يزال 177 ألف مدني محاصرين داخل المدينة. ويعاني 1.4 مليون طفل من ظروف المجاعة أو ما يقاربها، بينما يواجه 150 ألف طفل شمال دارفور سوء تغذية حاد، كما أدى انهيار النظام الصحي إلى حرمان ملايين المدنيين من العلاج واللقاحات.

المحاسبة الدولية وردود الفعل

رغم الوساطات الدولية، لا تلوح في الأفق تهدئة دائمة. تسعى قوات الدعم السريع إلى فرض واقع بالسيطرة على دارفور وغرب البلاد، فيما يصر الجيش على استعادة هيبة الدولة.

وانضمت الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات إلى مسار وساطة يعرف باسم الرباعية لإطلاق خطة تتضمن وقفا لإطلاق النار وهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يليها وقف دائم، ثم انتقال إلى حكم مدني خلال تسعة أشهر. رفض البرهان الاتفاق في البداية، مطالب بحل قوات الدعم السريع، لكنه أبدى مرونة بعد لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 15 أكتوبر 2025. عقد ممثلون عن الجيش والدعم السريع مفاوضات غير مباشرة في واشنطن الأسبوع الماضي، مع خطة لجولة جديدة نهاية أكتوبر، قبل سقوط الفاشر، مما يجعل الوضع الراهن غامضًا ومحفوفًا بالمخاطر.

أدان مجلس الأمن الدولي الهجوم على الفاشر بشدة، فيما تحقق محكمة الجنايات الدولية في جرائم محتملة شمال دارفور. ودعا مندوب السودان مجلس الأمن إلى إخراج قوات الدعم السريع من الفاشر، وتصنيفها كمنظمة إرهابية، ومعاقبة مموّليها وداعميها، مؤكّدًا أن ما يجري في السودان يمثل إبادة جماعية، وأن المدنيين إما أُبيدوا داخل المدينة أو قُتلوا أثناء نزوحهم منها.

We Love Cricket

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى