
اليقين / نجوى القاسمي
رغم ما يروج له الخطاب الرسمي من كون آلية تقديم العرائض إحدى الركائز الأساسية لتكريس الديمقراطية التشاركية، فإن التجربة العملية تكشف عن فجوة مقلقة بين النص الدستوري والممارسة الفعلية.
فقد شكل اجتماع عقدته الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان مع لجنة برلمانية مختصة بتتبع العرائض مناسبة لاستعراض ما وصف بـالإصلاحات المهمة التي عرفها هذا الورش، غير أن الوقائع الميدانية سرعان ما تطرح علامات استفهام حول جدوى هذه الإصلاحات ومدى نجاعتها.
الوزارة قدمت عرضا تقنيا وقانونيا حول القوانين التنظيمية المؤطرة للعرائض والملتمسات، والتعديلات التي قيل إنها هدفت إلى تبسيط الشروط وتوسيع إمكانيات ولوج المواطنين إلى هذه الآلية الدستورية. كما جرى التذكير ببرامج التكوين، والدلائل التفسيرية، والمنتديات الوطنية، وتطوير بوابة المشاركة المواطنة باعتبارها واجهة رقمية لممارسة هذا الحق.
غير أن هذا السرد التفاؤلي يصطدم بحالات واقعية تعكس هشاشة هذا المسار، من أبرزها تجربة تنسيقية المقصيين من مباراة التعليم فوق 30 سنة، التي حاولت اللجوء إلى آلية العريضة الإلكترونية للطعن في ما اعتبرته شروطا إقصائية مجحفة، وعلى رأسها تحديد سن 30 سنة كسقف للترشح. فرغم استيفاء المضمون السياسي والحقوقي للعريضة، فإن المبادرة أُجهضت بسبب عطل تقني حال دون إتمام عملية الإيداع عبر البوابة الوطنية.
هذا العطب، الذي قد يبدو تقنيا في ظاهره، يطرح سؤالا جوهريا كيف يمكن الحديث عن توسيع الديمقراطية التشاركية في ظل أعطاب رقمية تُفرغ الحق الدستوري من مضمونه؟ وهل يُعقل أن يتحول الحق في تقديم العرائض إلى امتياز مشروط بسلامة منصة إلكترونية غير مضمونة الجاهزية؟
تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة اليوم الخميس 18 دجنبر 2025 حول تقدم ورش العرائض بدت، في ضوء هذه الواقعة، أقرب إلى خطاب تبريري منها إلى تقييم موضوعي. فالإصلاح لا يُقاس بعدد الندوات ولا بحجم الدلائل الإرشادية، بل بقدرة المواطن فعليا على ممارسة حقه دون عوائق تقنية أو إدارية أو تأويلية.
إن استمرار مثل هذه الاختلالات يهدد بتحويل آلية العرائض من أداة للمشاركة المواطنة إلى آلية شكلية تُستدعى في الخطاب الرسمي وتُعطل في الواقع. وهو ما يستدعي اليوم أكثر من أي وقت مضى تقييماً مستقلاً لمنظومة العرائض، يربط بين النص القانوني، والبنية الرقمية، وإرادة التفعيل السياسي.
فالديمقراطية التشاركية لا تبنى بالنوايا ولا بالشعارات، بل بضمان حقوق قابلة للممارسة، ومؤسسات قادرة على الاستجابة، ومنصات رقمية لا تتحول عند أول اختبار اجتماعي حقيقي إلى بوابة مغلقة في وجه المواطنين.
We Love Cricket




