مقال رأي

فرونتال عصيد ولحلو.. ردها علي إن استطعت

عبد العزيز اقباب

اختار برنامج فرونتال لعزيز بوستة على قناة ميدي ان تيفي وضع رجلين من تيارين مختلفين أو متباعدين ربما فكريا وجها لوجه لمناقشة مواضيع تتضارب حولها آراءهما، وتهم كلا من المساواة بين الجنسين، والطبيعة المتنوعة للمجتمع المغربي، علماني، وحداثي، وملتزم ومحافظ، وهي المواضيع الذي مهد لها الروبورتاج الأولي والتقديم الصحفي في افتتاح البرنامج بوضع الإطار العام والمحوري لنقاش المناظرة باعتماد سلسلة محاور أساسية ثقافية، واجتماعية واقتصادية، وكل ذلك من أجل تجديد النقاش عن “المغرب: بين التقليد والحداثة!”

في نظرة أولية إلى استوديو البرنامج يظهر جليا أن وضع الدكتور طلال لحلو على يمين مقدم البرنامج يحتمل تأويلا نسبيا يصنفه ضمن تيار اليمين المحافظ، طلال الحلو وهو أستاذ جامعي قد حضر بصورة الأستاذ الجامعي المستعد والمعد سلفا لإلقاء محاضرة حول موضوع هو عارف به، أو ربما حاول جمع كل الأدلة والمعلومات التي يمكنها أن تساعده في الخروج منتصرا أو متعادلا من هذا النقاش الكبير والجدي. وعلى العكس وعلى يسار الطاولة يظهر أحمد عصيد ممثلا لليسار المعتدل والمنفتح، وقد قدم بصورته المعتادة القائمة على الارتجالية والاعتماد على الزاد المعرفي المبني على مبادئ راسخة لديه ربما، أو ربما استهانة بالضيوف أو البرنامج أو الموضوع المطروح، مكتفيا كعادته بمناقشة المواضيع المطروحة في حينها

عقدة اللسان تربك عصيد
بعد وضع السياق العام للنقاش، اختار بوستة أن يكون عصيد أول من يعلق على الروبورتاج، بدأ دا احماد بعرض المسار الذي قطعه مغرب العصر الحديث نحو اكتساب صفة الدولة السائرة في طريق التحديث، ولن نقول الدولة الحداثية فلو كانت كذلك لما كانت هناك حاجة لهكذا نقاش وتناظر، وذلك بلغة فرنسية ثقيلة ومحدودة، لكن سليمة، كون الرجل موجز في تخصص الفلسفة باللغة العربية، فلغته الفرنسية لا تعدو كونها لغة تواصلية، فقد توقف في العديد من المرات وهو يبحث عن المصطلحات المناسبة، بالتفكير بلغة والتكلم بلغة أخرى. جاء الدور على الأستاذ لحلو للتعليق، فبعيد ثواني من بدء تعليقه، يظهر لمن لا يعرفه من قبل أن الرجل لا يربطه بالمغرب سوى لحيته الكثيفة وقسمات وجهه الأفريقية، فلكنته الأجنبية وسرعة الحديث بلغة موليير جعلتا المريدين يصفقون له، ولو لم يعلموا فحوى كلامه، وهو ما اعتمدته صحافة “الجيمات والتعليقات” في تحرير عناوين من قبيل “طلال يفحم عصيد”، فلا فحم ولا نفط في مناظرة علمية، فالأستاذ طلال كان تكوينه اقتصاديا محضا، يرتكز على اللغة الفرنسية، كما أنه أستاذ محاضر بذات اللغة، إذا فلغويا وتعبيريا، المناظرة غير متكافئة، بين فقه قول وعقدة لسان.

صورة توليدية بالذكاء الاصطناعي حول المناظرة

ضيف مناظر، أم صحافي مسير
حدد البرنامج المحاور الرئيسية للمناظرة، لدور حولها نقاش الضيفين، لكن أوراق لحلو، وإعداده القبلي غيرت مسار سفينة فرونتال، فعصيد لم يحظى بحرية التعبير عن أفكاره إلا في تعليقه الأول على الروبورتاج، وبعدها اكتفى بالإجابة في كل مرة على أسئلة لحلو حول تصريحاته، ويفسرها لتجنب الإتهامات حول طلب الضغط الخارجي لتعزيز التمكين الحداثي والديمقراطي للمغرب والمساواة بين الجنسين، والتي وجهها له لحلو، كما اكتفى بالتعليق على المعطيات التي يبني عليها لحلو تدخلاته، بالنظر إلى كل هذا، يظهر أن لحلو قاد النقاش أو على الأقل وجهه وفق أوراقه، فالصحافي اكتفى بطلب عصيد بالإجابة في كل مرة مع التذكير بتكييف المداخلات مع الوقت المتبقي من البرنامج.

أي مرجعية للنقاش؟
بين مرجعية تنويرية حداثية، ومرجعية دينية محافظة، انطلق النقاش، لكن لم تعبر تدخلات كلا المتناظرين كفاية عن مرجعيتيهما، فلم يشفع للحلو إلا استعراض وتأويل نتائج دراسات من جامعات غربية وهو الدارس والعامل بها، إلا أنها لم تغير منه سوى لكنته وطلاقة لسانه، لكنها شفعت له في دخول النقاش وإغنائه. عصيد الذي أحال على فصل من الدستور لإبراز تماهي وتوافق رؤيته مع القانون الأسمى للدولة، وبعد تحوير النقاش واكتفاءه بالتعليق، فقد بوصلة النقاش وفقد معها المرجعية، التي لم يعبر عنها بشكل واضح، فلحلو استحوذ على الكرة رغم دخوله ميدانه بنقص عددي. وعصيد لعب بدون حارس، لعدم وجود مرمى.

لابد من فائز على أية حال
بالنظر إلى تفاعل الجمهور مع المناظرة في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد انقسم المتفاعلون إلى مجموعتين، إحداها ترى أن لحلو قد فاز بالتعبير الشفوي وبإحضار الأوراق وإرباك الصحافي وتحوير النقاش وتقديم نتائج الدراسات، واقتناعه بعودة التفوق الدراسي للفتيات إلى بقائهما بالبيت ليلا، دون الذكور، أما الأخرى فقد آمنت بتسلق لحلو لبرج شهرة وبروز عصيد لظهور أكثر في الساحة، وأن عصيد منزه عن هكذا نقاش، وأنه كم من حاجة قضوها بتركها، فخلو طاولة عصيد من الأوراق وبناء رأيه على فصل واستنباط أحكامه من الواقع المجتمعي الحالي لتمدرس الفتيات، والتصريح أن الحرية مطلقة في ميدان الفن، كاف لإعلان فوزه حتى قبل النقاش. أما من فاز حقا، ففي رأيي فازت الفئة والمجموعة الثالثة التي لم تكن تصفق لهذا ولا لذاك، بل علمت أن المناظرة المعلومة لم تكن سوى مساهمة حديثة في هذا النقاش الذي بدأ منذ سنين ولن يحسم وينتهي، بل سيظل قائما دائما وأبدا.

المناظرة لم تنتهي
“حتى أكون صريحا معكم: لقاء دام 45 دقيقة، مضت منه 45 دقيقة وأنا أنتظر فكرة واحدة مدعومة بأدلة علمية أو ميدانية أو منطقية … فلم أجد” هكذا كتب لحلو على صفحته على فيسبوك بعد المناظرة، وأضاف في سلسلة منشورات مضامينية على ذات الموقع: “هل يمكن لأي شخص أن يتحدث في كل شيء؟ ما قيمة الدراسة والشهادات والبحث العلمي؟”، وفي المقابل، عصيد اكتفى بنشر المناظرة بعنوانها كما بثت ونشرت دون تعليق. فمتى ومن ينهي المناظرة؟

We Love Cricket

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى