ثقافةكتاب وآراء

مؤتمر دولي محكم حول المسرح والرواية والسينما بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة بحضور القائم بأعمال سفارة جمهورية العراق بالمملكة المغربية

 د عبدالعزيز بنار

تؤكد جامعة شعيب الدكالي بالجديدة مرة أخرى انفتاحها على الأسئلة الجوهرية في الثقافة والأدب والفن، واهتمامهاباحتضان محافل علمية  أكثر ارتباطا بحركية المجتمع والعلاقات الدولية المثمرة والغنية. في هذا المساق، احتفى أكاديميون مغاربة وأجانب، ضمن  فعاليات المؤتمر الدولي المحكم، بموضوع: “المسرح، الرواية، السينما، سؤال التخييل والهوية الذاكرة” يومي 22-23 ماي 2025 برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية.

افتتح هذا المحفل العلمي الهام السيد رئيس الجامعة بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم وعرض النشيد الوطني للمملكة المغربية، لم تكن كلمة السيد الرئيس مجرد كلمة ترحيبة، بل أشاد فيها بموضوع هذا المؤتمر وأسئلته  وتنوع الدول والجامعات المغربية المشاركة فيه،  واعتزاز الجامعة بالتفاعل مع هذا الانفتاح عبر تعميق النظر إلى الفنون والآداب ودورها الفعال في إثارة الأسئلة الإنسانية والهوياتية واهتمامها بالذاكرة، كما خص السيد رئيس الجامعة معالي السيد القائم بالأعمال بسفارة جمهورية العراق بالمملكة المغربية بكلمة شكر خاصة ورفيعة على حضوره افتتاح المؤتمر، كما أكد السيد الرئيس على ضرورة التعاون بين البلدين في مجال البحث العلميوالثقافي، ولم يفت السيد الرئيس أن يشكر السيد المندوب الإقليمي لوزارة الشباب والثقافة والتواصل الذي حضر نيابة عن السيد الوزير الشباب والثقافة والتواصل.

وتثمينا للعلاقات  المغربية العراقية  العميقة والمتينة، شهد هذا المحفل العلمي حضور السيد القائم بالأعمال بسفارة العراق الذي قدم بالمناسبة كلمة راقية عبر فيها عن شكر أنيق وكامل  لرئاسة الجامعة والكلية واللجنة المنظمة والمشاركين في المؤتمر وحاضريه من الأساتذة والطلبة الباحثين، كما تضمنت كلمة السيد معالي القائم بأعمال سفارة العراق إشادته بالعلاقات القوية بين العراق والمملكة والمغربية، وبليغ سعادته بحضور المحافل العلمية والثقافية المغربية وعن استعداد العراق الدائم التعاونفي هذا المجال تثمينا للعلاقات الأخوية القوية بين البلدين الشقيقين. وتضمنت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر كلمة عميقة لنائب العميد المكلف بالبحث العلمي والشراكة والتعاون جمعت بين الشكر وسياق اللقاء وأهميةموضوعه، ثم تلتها كلمة السيد مدير مختبر البحث في علو اللغة والخطاب والدراسات الثقافية عرض من خلالها باختصار أنشطة المختبر وأهمية هذا المؤتمر وعمق الأوراق البحثية المقدمة فيه. شملت الجلسة الافتتاحيةالتي ترأسها الدكتور محمد صبري  أيضا كلمة لرئيس شعبة اللغة العربية، وورقة للجنة تنسيق المؤتمر وتنظيمه رحب  فيها ذ.عبد العزيز بنار بالضيوف والأكاديمينالمشاركين في هذا اللقاء العلمي والسادة الأساتذةوالباحثين، والشركاء ووسائل الإعلام، وأهمية اختيار موضوع المؤتمر وراهنية أسئلة التخييل والذاكرة والهوية والإبدالات التي عرفتها المقاربات الحديثة لهذه الفنون التي ستناقشها الأوراق البحثية، وتنويهه بالدور الكبير الذي أداه السيد نائب رئيس الجامعة المسؤول عن البحث العلمي في التشاور والتعاون لإنجاح هذا المؤتمر.

تكريمات:

تكريسا لثقافة الشكر والعرفان وفي أجواء إنسانية مجللة بكل معاني الامتنان، تم تكريم الأستاذين الجليلين الدكتور عز العرب ادريسي أزمي والدكتور عبد الرحيم الرواي تقديرا للخدمات الجليلية التي قدماها للدرس الجامعي والبحث العلمي بالجامعة، تدريسا وتأطيراوإنتاجا، كما تم تكريم المخرجة المقتدرة  فاطمة علي بوبكدي اعترافا بعطائها الفني الغني والمتنوع في المشهد السينيمائي المغربي، إذ تفضل السيد رئيس الجامعةوباقي الشخصيات الرسمية التي حضرت الجلسة الافتتاحية بتقديم هدايا تحمل بعض المعالم التراثية العريقة بمدينة الجديدة للقائم بالأعمال بسفارة العراقبالمملكة المغربية، ودروع شكر وعرفان وهدايا أخرى للمكرمين من طرف مختبر البحث في علوم اللغة والخطاب والدراسات الثقافية والمديرية الجهوية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل –قطاع الثقافة ،جهة الدار البيضاء سطات، ومؤسسة عبد الواحد القادري بالجديدة ومركز عيون ثقافية للدراسات والأبحاث والنشر ومركز أجيال 21 للمواطنة وجمعية ربيع الإبداع والجمعية الإسماعيلية.

أسئلة الأدب والفن والمقاربات الجديدة 

كثير من الأكاديمين والنقاد عرضوا أوراقهم البحثية،والذين تجاوز عددهم أربعين مشاركا من جامعات مغربية،منها جامعة محمد الأول بوجدة ، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس (د جمال بوطيب)، وجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، ومولاي إسماعيل بمكناس، وابن طفيل بالقنيطرة ومحمد الخامس بالرباط، والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، البيضاء سطات (المقر المركزي) ومولايسليمان ببني ملال، والقاضي عياض بمراكش، ومدن أخرى، إضافة إلى جامعة شعيب الدكالي التي احضنت فعاليات هذا المؤتمر. أما عن المشاركين من دول أجنبية، فيتعلق الأمر بالعراق، والإمارات العربية المتحدة،وقطر والسعودية، مصر، تونس، وموريتانيا. حرصت  اللجنة العلمية التي  استقبلت أكثر من ستة وثمانيين ملخصا للمشاركة على قبول تلك التي تستجيب لضوابط البحث العلمي التي تم الإعلان عنها في ورقة استكتاب  المؤتمر ومحاوره.

توزعت أشغال المؤتمر على ثلاثة محاور، هي: المسرح والرواية، والسينما. ناقش الباحثون  في الجلسة العلمية الأولى،التي ترأسها الدكتور رمضان عامر من مصر،استلهام المسرح المغربي للروافد الثقافية المتعددة وغنى عناصر الهوية المغربية التي يتوسل بها، والخصوصية التي تطبع الإنتاج المسرحي حسب كل جهة كما أشار إلى ذلك د. محمد صبري، وواصل د. شكير عبد المجيد تفكيك الهوية المسرحية المغربية المشدودة الى التاريخي والمتخيل من خلال ثلاث سياقات: سياق النشأة والوجود،سياق التنظير وتأكيد الوجود، وسياق التجلي الإبداعي،وتوقف الباحث العراقي د. مهند إبراهيم مالك العبيدي عند نسق الهوية وتمثلاتها في النص المسرحي العراقي. وإغناء لقضايا الفن المسرحي توقف د.هشام بلهاشميعند قضيتين هامتين: تتعلق الأولى بالحقيقة الفنية والتاريخية والجدل الذي رافق القضية منذ الشعرية الأرسطية إلى الآن، بينما القضية الثانية فتتجلى في إضاءته للعوالم التخييلية في مسرحية “شجر مر” لعبد المجيد الهواس. وعن أهمية اللغة والتخييل في المسرح توقف د. عبد الله آحادي عند النص الدرامي في تصورات أرسطو بين التلقي والتأويل، والنص الملحلمي البناء والدلالة، والنص الدرامي العبثي بين الإمتاع والمؤانسة. وركزت باقي أوراق الجلسة العلمية العلمية الثانية التي أدراها د. عبد العزيز بنار  على المسرح العبثي واستنجاده بالخيال والــلامعقول والوجودية لتحرير الواقع، إذ ربط التونسي  د. الفريوي  تجربة صمويلبكيت” في انتظار غودو” بواقع المجتمعات العربية، بينما أضاءت باقي الأوراق الأخرى تجربة المسرح الاحتفالي وسؤال الهوية وقضايا النص والعرض المسرحيين،وتخصيب عوالمهما باستلهام الأدب الشعبي من خلال استحضار تجربة برشيد والطيب لعلج، وهو ما توقف عنده الباحثون عبدالجبار لند وادريس الطهطاوي ونورالدين الخديري ورشيد بلفقيه.

في الجلسات الخاصة بمحور الرواية التي ترأستها الناقدة والروائية أستاذة الأدب الحديث وتحليل الخطاب والرقميات الدكتورة زهور كرام تناول د.حسن المودنالعلاقة والوثيقة التي تربط الذاكرة بالتحليل النفسي متوسلا بأحدث الدراسات النفسية حول الذاكرة والنسيان والأدب. وتوقفت الباحثة الإماراتية سناء المجايدة  في دراستها عند تحول الوعي الأندلسي من الاستقرار إلى الترحال كما ركزت على سؤال الهوية من خلال الفقد، أما الناقد د. محمد أمنصور فقدم قرءاة في سيرة “خارج المكان” لإدوار سعيد وكيف حولت سيرة شخص إلى سيرة شعب من خلال هوية متشظية. بينما استحضرت الباحثة القطرية ذ. تماضر جابر الحنزاب تحولات الخطاب الروائي النسائي في قطر ومظاهر تسريدهلأسلة الهوية والتخييل والذاكرة. وفي دراسته العلمية الرصينة أثار الباحث  د.  سعيد الفلاق أسئلة الهوية في رواية “البعيدون” لبهاء الدين الطود، وذلك بالبحث في مظاهر الهوية السردية والتباسات الأنا والآخر وصراع التمثيلات بين الانتماء للبلد الأصلي والإقامة بالمهجر.كما عالج د الجرطي إشكالية التمثيل السردي في رواية الفقيه لحسن أوريد، مشيرا إلى انتقاد الرواية للتصورات الناجزة والمغلقة للهوية لتركزها حول نقاء الأصل المفضي  إلى العنف كما حدث للمسلمين في  الأندلس  أثناء تهجيرهم، مع إشارته إلى احتفاء الرواية بمنظور جديد للهوية التي تقوم على التلاقح والتعدد. أما د هشام الموساوي فقد انصبت دراسته على رصد تحقق آليات الهوية في رواية” قدر الحساء”لسالم الشرقاوي والوقوف على مختلف التقنيات التخييلية التي تحقق فرادة عمله الروائي. وطرح الباحث د اعسيلة يوسف في مداختلهإشكالية التجريب ومسرحة الرواية في رواية ” النجوم تحاكي القمر لحنا مينة. وفي سياق الحديث عن أهمية الرواية ونجاح جيل من الروايات في بناء تصور ثالث للهوية يؤمن بالتعايش والانفتاح استحضر د. عبد العزيز بنار بعض النماذج التي أسست لفضاء ثالث بأدوات تخييلية أكثر جدة وحداثة. أما د. أخ العرب عبد الرحيم فقد رصد من خلال دراسته السرد والسينما بين التمثيل اللفظي والتخييل الفيلمي الآليات السردية الجديدة في الفنين والعلاقة بين السرد المكتوب والسرد المؤفلم، والعلاقة بين التخييل والتمثيل والسرد، ونهل السينما من تقنيات السرد. وتناول د. محمد كرافص عند العلامات الأيديولوجية في الصورة السينيمائية من خلال مقاربتهلثلاثة أفلام مغربية: حلاق درب الفقراء، و علي زاواوالهاربون من تندوف من منظور سيمائي. وفي معرض حديثه عن أسئلة الهوية في السينما أصل د. الحبيب الناصري الحديث عن الهوية بالجذر الحياتي الإنساني والخصوصية الكونية لهذا المكون في زمن العولمة، واعتبر السينما مدخلا للحديث عن التمغرابيت مستحضرا عدة مشاهد من أفلام مغربية تحتفي بالهوية. كما تطرق الباحث بنالفاسي لسؤال التخييل في رواية ومسلسل ساق البامبو مركزا على أهم الخلاصات التي انتهى إليها بحثه. كما استحضر د عمر الشملالي معالجة الأفلام المغربية لمسألة الهوية وأثار  السعودي د زهير حسن العمري مسألة أدب الصحراء في السينما وإعادة إنتاج الهوية البدوية في فيلم الهجان. وفي الجلسة الختامية تناول الباحثون د. المصطفى فاتح وفدوى شهاب وعبدالصمد بلفقير وزينب الهنتاتي ومحمد الحيحاويوآخرون أسئلة التخييل والهوية والذاكرة في الرواية العربية والمغربية.

أكثر من مجرد مؤتمر:

لقد استطاع المؤتمر إتاحة فرصة لألمع الباحثين الذين تجمعهم قواسم مشتركة يشدها البحث الرصين والحضور المستمر في المشهد النقدي الحديث عربيا ومغربيا، علاوة على تجديد الأدوات الاجرائية التي يتوسلون بها في تأويل النصوص والأجناس الأدبية بوصفها أشكالا فنية لها خصوصيتها. لقد كان هدف المؤتمر هو استكشاف القضايا الفنية والخصيصيات النوعية التي صاحبت تطور الأشكال التعبيرية، إضافة إلى المداخل النظرية ما بعد الحداثية التي أتاحتها الأوراق البحثية ضمن فعاليات المؤتمر. إن الفنون التي سلط المؤتمر العلمي الضوء عليها قد ساهمت في فهم حركية المجمتع والتقاط الأسئلة التي يمور بها الواقع، وقد تكشف هذا الانشغال من خلال العوالم التخييلية التي تعامدت في النصوص الروائية والمسرحية والانتاجات السينمائية. بخلاصة كان المؤتمر مناسبة لحوار ثقافي مغربي عربي فضاؤه الجامعة.

We Love Cricket

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى