باعتبار أن الصين أولت اهتماما كبيرا للنهوض بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن الصيني منذ الثورة الثقافية التي غيرت الكثير من الأوضاع ووضعت الصين جديا على سكة التغيير لبناء المستقبل المرتكز على استثمار كل الطاقات البشرية والموارد المتوفرة للالتحاق بالتطور التكنولوجي الحاصل بالعالم الغربي بهدف سد الفجوة التكنولوجية الحاصلة.
من هذا المنطلق لم تدخر الصين جهدا في الإنسان الصيني وفق نظام الانضباط والمساهمة في بناء مستقبل الصين العصرية التي حققت طفرة اقتصادية وعلمية أدهشت الغرب أولا، وأكسبت الصين احترام كل الفاعلين على الساحة الدولية ثانيا.
فمن المجالات التي أولتها الدولة الصينية اهتماما كبيرا، تلك المرتبطة بمحاربة الفقر على المستوى الاجتماعي والاقتصادي بالعديد من المقاطعات الصينية، وذلك بهدف النهوض بها ودعمها في السيرورة النهضوية التي انطلقت بالصين، والتي اعتمدت أساسا على العنصر البشري وعلى الإمكانات المتاحة والقابلة للاستثمار في جميع المجالات والقطاعات الدافعة نحو إرساء مناخ تنموي استثماري واعد ومنتج للتنمية ومطور لها.
ويعتبر المجال السياحي من المجالات الممكن توظيفها لخلق دورة اقتصادية مرتكزة على الموروث الثقافي والتاريخي للصين، الذي يضرب في عمق التاريخ عبر العديد من الحقب التي أغنت الحضارة الصينية وجعلتها محط اهتمام الباحثين من مختلف بقاع العالم.
فاعتماد الصين على مبدأ التحديث وربطه بالتنمية، يعد منطلقا لتعزيز التنمية الإنتاجية للقطاع السياحي المدمج للعنصر البشري الذي يعتبر المحرك والفاعل المحوري في أي تنمية مجالية، خصوصا وأن اعتماد النظام الاشتراكي استطاع تخطي العديد من الصعاب عبر اتباع مبدأ الاشراك والتملك الفكري والعملي للسياسات العمومية الصينية التي أرست نموذجا متفردا في المجالات المرتبطة بالتخطيط المسهم في ردم هوة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وذلك لتحقيق إقلاع اقتصادي مبني على الإنسان أولا وأخيرا. ويأتي المجال السياحي كمجال يمكن استثمار مؤهلاته الضخمة بالصين لتحقيق الأهداف التنموية المنتظرة، التي بواسطتها يمكن تلمس المسارات التي تمكن من تجاوز الفقر بمختلف تجلياته.
وكمثال على ذلك، قرية سيتوو التي تقع في الشمال الشرقي من بلدة ليانغ كوو، مقاطعة تسونغ خوا، على بعد حوالي 100 كيلومتر من مدينة كوانجو (حوالي ساعتين بالسيارة)، مقاطعة كوانغ تونغ . وهي قرية قديمة في منطقة جبلية ذات مناخ شبه استوائي.
تبلغ مساحة القرية 1140 هكتارًا، وتضم 5 تعاونيات تحت ولايتها. عدد الساكنة الدائمة داخل القرية حوالي 1000 شخص، وإذا أضفنا الساكنة في الجبال المتاخمة، قد يصل العدد إلى 3000 شخص. يوجد بقرية سيتوو لجنة حزبية ولجنة قروية و6 كوادر مسؤولون عن تدبير شؤون القرية. اللجنة الحزبية هي لجنة مكونة من أعضاء من الحزب الشيوعي الصيني، تعنى بتأطير الحياة السياسية للمواطنين والمساعدات الاجتماعية؛ أما اللجنة القروية، فيتم انتخابها من بين سكان القرية وتعنى بالأنشطة الاقتصادية للقرية.
تلقب قرية سيتوو كذلك بقرية الحسناوات وقرية المعمرين (أي إن متوسط الأعمار مرتفع نسبيا). مقارنة مع العديد من القرى الصينية، لا تملك قرية سيتوو تاريخا عريقا. تم إنشاء هذه القرية قبل 450 عاما في أواخر حكم أسرة المينغ ، لذلك ما عدا معبد العائلة وبضعة منازل تاريخية، لا توجد بالقرية معالم تاريخية ذات أهمية. لذلك لم تكن لها أي جاذبية تاريخية في العصر الحديث.
في بداية فترة الإصلاح والانفتاح*، عرفت القرية تحولات اجتماعية كبيرة حيث هاجر معظم القوى العاملة من الشباب ومتوسطي العمر إلى المدن للمساهمة في مشاريع التشييد والبناء، ولم يتبق سوى كبار السن والأطفال. بالإضافة إلى الهجرة القروية، أدت ندرة الأراضي الصالحة للزراعة، وضعف البنية التحتية، من طرق وقناطر، وانهيار للمباني القديمة نتيجة قلة الترميم، إلى عزل تام لهذه القرية التي أصبحت قرية شبحا مهددة بالانقراض.
في بداية الألفية الثالثة، مكنت سياسة الإصلاح والانفتاح المناطق الساحلية الشرقية من تحقيق تنمية سريعة منقطعة النظير في التاريخ الحديث للإنسانية، كما خطط لذلك الزعيم الصيني الراحل دنغ سياو بينغ ، الذي يعتبر مهندس سياسة الإصلاح والانفتاح. أدرك دنغ سياوبينغ أنه لا يمكن ضمان أن يتمتع الشعب كله بمنجزات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، لذلك لا بد أن تتمكن فئة من الشعب من التخلص من الفقر أولا، وعند ذلك سيكون عليها أن تساعد الفئة التي ما زالت تعاني من الفقر. وهو نوع من التكافل الاجتماعي في النظام الاشتراكي ذي الخاصية الصينية الجدير بالاهتمام والدراسة. وقد عايشت هذا التكافل بصفتي أستاذا في جامعة صينية، حيث كانت لنا مهمات سنوية لمساعدة جامعات ومعاهد في مناطق فقيرة، خاصة مقاطعات الغرب الأقل تطورا.
We Love Cricket