احتفل مقهى الحافة العالمي الشهير ، مؤخرا بعيد ميلاده أل 100سنة بعد أن بلغ هدا المقهى من الشهرة ما بلغه حتى أصبح مزارا دائما لكبار المثقفين والأدباء في المغرب والعالم؛ فإن شهرته زادت هذه الأيام بعد وصوله قرنا من الزمان.وبمروره طبعا من محطات تاريخية.
ففي عام 1921 اختار الراحل امحمد علوش أن يشيد هذا المقهى على أرض عراء تابعة في الأصل لملك الدولة، وبنى مكانا لتحضير المشروبات وخاصة الشاي، وهيأ الهضبة المطلة على شاطئ مراقة على شكل مدرجات كبيرة، ووضع فوقها طاولات لاستقبال الزبائن.
المقهى المطل على الضفة الأخرى من المتوسط وجزء من المحيط الأطلسي جذب عددا من رواد الفن والثقافة، لعل أبرزهم الروائي والكاتب المغربي محمد شكري صاحب رواية “الخبز الحافي”، الذي كان يركن إلى مكانين في المقهى يطلق منهما العنان لإبداعاته.
ويتذكر المشرف الحالي على المقهى السي عبد الرحمن العاقل جلسات شكري كما لو كانت بالأمس القريب. فعندما يجد الروائي القادم من منطقة الريف مكانه المعتاد في مدخل مكتظ بالناس ويملؤه الضجيج؛ كان ينزل إلى الأسفل لينعم بالهدوء ويختار مكانه الثاني، حيث السكون ولا صوت إلا صوت النوارس وأمواج البحر المرتطمة بالصخور.
العاقل -الذي يكني أبا عبد الرحمن- التحق بالعمل في المقهى عام 1971 عندما كان في السادسة عشرة من عمره، ويؤكد أن الدولة المغربية عندما قامت باستصدار الوثائق الخاصة بتسجيل العقار الذي شيد عليه المقهى عام 1974 عرضت على مؤسسه تملكه مقابل 30 درهما (حوالي 3 دولارات) للمتر المربع، لكنه لم يقبل وظل يؤدي بدل ذلك مستحقات الإيجار.
في عام 1994 آل الإشراف الكلي على المقهى إلى أبي عبد الرحمن بعدما نالت الشيخوخة من مؤسسه، وقبل وفاته أبرم معه عقد إيجار ليستمر في إدارة المقهى حتى بعد وفاته، شريطة أن يؤدي مستحقات الكراء لمصلحة أملاك الدولة ومبلغا متفقا عليه لورثة المؤسس، وهو ما حافظ عليه العاقل إلى اليوم.والمقهى مصنف ضمن المباني التراثية ولا يمكن إجراء أي تعديل عليه دون موافقة وزارة الثقافة .
ويحتفظ المقهى بطابعه التقليدي منذ نشأته الأولى، رغم أن المشرف عليه اختار بناء مقهى ومطعم جديد بجواره، إلا أنه قرر الحفاظ على طابع الحافة القديم.
ولم تشمل التحسينات التي أدخلها عليه سوى إضافة بعض المدرجات وإزالة بعض النباتات كالصبار الذي كان يؤثث المكان، وتعويضها ببعض الأشجار المورقة التي توفر الظلال لرواده.
وحتى الزوار الذين استطلعت الجريدة آراءهم لا يحبذون إدخال تحسينات أو تغييرات على المكان.ويقول الطنجاوي سي عبد السلام بونواشة السينمائي الطنجاوي العالمي وهو من عشاق المقهى مند عقود، إن المقاهي المشيدة بطريقة حديثة منتشرة بكثرة في المدينة، ولكن الذين يقصدون الحافة يجذبهم الطابع التقليدي للمكان إلى جانب رغبتهم في التمتع بلحظات من الصفاء قبالة البحر وجبال الجنوب الإسباني.
وليس هذا فحسب؛ بل إن المكان بقوة القانون محاط بمجموعة من القيود التي تمنع إدخال أي تغييرات جذرية عليه، دون الحصول على موافقة وزارة الثقافة لكونها المعنية بالحفاظ على الأماكن الأثرية.
وهذه البناية مصنفة ضمن لائحة الآثار، بقرار من وزير الثقافة صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 4 أبريل/نيسان 2016، إلى جانب عقارات تاريخية أخرى.
ووفق القرار -الذي اطلعت عليه الجريدة فإنه لا يمكن إحداث أي تغيير في المكان دون إخطار وزارة الثقافة قبل التاريخ المقرر للشروع في الأعمال بستة أشهر على الأقل.
ويظل مقهى الحافة شاهدا على أحلام المبدعين والمهاجرين غير الشرعيين ، وإنه لطالما اعتبرت الحافة الوجهة المفضلة لدى أشهر نجوم الفن والسياسة إضافة إلى كتاب وفلاسفة، بل الأكثر من ذلك فقد اقتنى الفيلسوف الفرنسي المعاصر بيرنار هنري ليفي منزلا تطل شرفاته مباشرة على المدرجات العشوائية للمقهى، “بيرنار هنري دائما يزورنا عندما يصل إلى طنجة” يقول عبد الرحيم الذي يتذكر بفخر أسماء كل المشاهير الذين التقى بهم وكذا الطاولات التي كان يجلس فيها كل واحد، “الحافة لا تزال مشهورة في العالم والدليل هو أنه لحد اليوم لا يتردد النجوم في زيارتنا كلما أتيحت لهم فرصة القدوم إلى طنجة”.
ولقد ارتبط اسم مقهى الحافة بالكاتب المغربي الطنجاوي الراحل، محمد شكري، الذي كان يقضي وقتا طويلا يتأمل في المشهد الملهم الذي تتيحه الحافة، لروادها دون كلل أو مل، حيث كان ايضا يجالس الروائي المغربي الطاهر بن جلون الذي حصد العديد من الجوائز الأدبية الفرنسية والعالمية الرفيعة وأشهرها جائزة الغونكور الفرنسية. والكاتب الأميركي الشهير بوول بولز، وهو كاتب أميركي شهير اختار الإقامة في طنجة منذ سنة 1935، كما أن العديد من الفنانين ذوي الصيت العالمي وجدوا في الحافة السكينة التي تمدهم بالطاقة الإبداعية كمجموعة “البيتلز” الإنجليزية أيام مجدها على غرار مجموعة “الولينغ ستون” والممثل الأمريكي “شون كونوري”…
بساطة المقهى لم تثن قادة سياسيين عن اكتشاف الحافة وارتشاف الشاي المنعنع بعيدا عن الأضواء والبروتوكول كالأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، ورئيس وزراء انجلترا الأسبق وينستون تشرتشل. ويؤكد محمد الهواري أن المقهى كان كذلك قبلة للجواسيس من مختلف أنحاء العالم “خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية كان الجواسيس يرتادون الحافة بشكل دائم”. لاسيا وان طنجة كانت تصنف كمنطقة دولية “محايدة”، حيث يتقاطع فيها نفوذ السلطات الاستعمارية البريطانية والاسبانية والفرنسية، وكانت تضم عشرات القنصليات والبعثات الديبلوماسية الأجنبية، ولم يبقى منها الآن سوى القليل مثل الاسبانية والفرنسية والاميركية.
ومن المفارقات، أن مقهى الحافة التي كانت رمزا لإلهام المبدعين، بات يقصدها زوار ن نوع جديد.عبد السلام بونواشة الملقب ب “le prince de tanger ” يرى أن نوعية الزوار اختلفت بين الأمس واليوم يقول”للأسف سلوكات بعض المراهقين من زوار المقهى كتعاطي المخدرات جعلت بعض سكان طنجة يتجنبون الجلوس هنا” أمر يبرره صاحب المقهى بكون المكان مفتوح في وجه العموم ” لا يمكنني أن أنتقي من يدخل إلى الحافة لكن بمجرد أن يقوم أحدهم بإزعاج الباقي أطرده فورا”.
وخلال السنوات القليلة الأخيرة، بدأ يتردد على المقهى صنف جديد من الزوار، هم شبان مغاربة وأفارقة يحلمون بالهجرة إلى أوروبا، يأتون من أجل”اصطياد” سائح أو سائحة، يسهل لهم وثائق الإقامة في أوروبا، أو حتى البحث عن وسيط يسهل لهم الهجرة بطرق غير شرعية إلى أوروبا. لكن صاحب المقهى يشدد على “حرصه على سمعة المقهى” ويؤكد أنه لا يتوانى في استبعاد أي زبون “لا يحترم القانون” ولا يحترم تاريخ هدا المقهى العريق.
We Love Cricket