جهات

نذرة الماء وتأثيره على البيئة في الواحات: واحة دادس نموذجا

لابد من الإقرار على أن الصور التي تعكس الحالة التي توجد عليها واحة دادس في الوقت الحالي يثير مشاعر تمزج بين الخوف من مستقبل الواحة ومستقبل الحياة بها وبين تنديدنا من الاستغلال المتوحش للمياه الجوفية لأغراض فلاحية استثمارية.
إن توالي سنوات الجفاف ونذرة التساقطات المطرية قد أثر سلبا على الموارد المائية ليس فقط على مستوى توقف المجرى المائي الذي يشق واحة دادس على طول السنة ولكن أيضا الشح الكبير الذي تعرفه الفرشاة المائية بحيث يستعصي على المجالس المحلية المنتخبة تدبير قطاع الماء الشروب إذ تضطر بعضها إلى توقيف الصبيب المائي لأوقات متفرقة في إطار ترشيد هذه المادة الحيوية رغم ما تتعرض له من انتقادات نظرا لعدم قدرتها على ضمان استمرار تزويد الساكنة بالماء أو إلى تخفيض هذا الصبيب تجنبا لتلك الانتقادات فيما يمكن أن يدخل كذلك في عملية الترشيد.
غير أن ما قد لا يختلف عليه إثنان كذلك أن نذرة التساقطات المطرية ليس هو السبب الوحيد في الأزمة الحادة التي تعاني منها الواحة من مادة الماء لكن أيضا سوء تدبير هذه المادة الحيوية ولاسيما الجوفية منها وذلك لضمان توفير المياه الصالحة للشرب كهدف أساسي ورئيسي من جهة وثانيا لضمان استمرارية حياة النبات والحيوان على حد سواء.
إن سوء تدبير المياه الجوفية كما يعلم الجميع من حيث المبدإ مسؤولية مشتركة تتحمل فيه المجالس المنتخبة قسطا منها وكذلك الساكنة والمستغلين للمياه وكذا المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية أيضا وذلك من خلال السماح لبعض المستثمرين في المجال الفلاحي من إحداث ثقوب وحفر آبار بمستويات كبيرة من العمق دون تحديد معايير دقيقة وفرض شروط صارمة وفق كناش تحملات محدد وتحديد عدد الآبار المسموح بها على مستوى رقعة جغرافية معينة وذلك عبر إجراء دراسات علمية والاستعانة بمختصين في المجال مع فرض رقابة صارمة وتسطير برنامج دقيق للمواكبة وذلك في سبيل الحد من الإجهاد المائي في أفق تحقيق الأمن المائي في المجال.
إن سوء التدبير لمادة المياه الجوفية خاصة من جانب المجالس المنتخبة وشح التساقطات المطرية قد نتجت عنه أزمة كبيرة في مادة الماء بحيث تعاني الساكنة من قلة الماء الصالح للشرب كما نتجت عنه كذلك مظاهر أصبحت مخيفة تنذر بشبح الرحيل عن الواحة (واحة دادس على سبيل المثال) بعدما كانت هذه الواحة يضرب بها المثل في توفرها على مناظر طبيعية واخضرارها على طول السنة وجريان دائم للماء في وادي دادس.
إنه لابد من دعوة المجالس المنتخبة إلى تحمل مسؤوليتها كاملة وذلك للحد من الاستغلال الفاحش والمفرط للمياه الجوفية العمل على ترشيد استعمالها حتى تتمكن من تدبير قطاع الماء الصالح للشرب الذي يدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية طبقا لما ينص عليه القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.
لابد كذلك من توجيه دعوة إلى أصحاب الضيعات الفلاحية داخل الواحة أو المحيطة بها إلى مراعاة دقة المرحلة وصعوبتها وهي فرصة لا يمكن تعويضها وذلك قصد الاستغلال المعقلن للماء والعمل على استخراج ما يكفي من المياه الجوفية لأجل ضمان بقاء نباتاتهم وأشجارهم على قيد الحياة فقط دون مع القطع مع اية طموح لتحقيق الإنتاج الوفير والسعي إلى تحقيق الربح منه لأن من شأن ذلك الزيادة في تعميق أزمة الماء.
لابد كذلك من توجيه دعوى إلى المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ولاسيما إدارة المياه والغابات وإدارة الحوض المائي إلى تحمل مسؤوليتهم كاملة وذلك بإيقاف تسليم رخص حفر الآبار خاصة في الوقت الحالي مع مراقبة استغلال الماء بالنسبة للآبار القائمة مع العمل على توقيف استخراج المياه الجوفية عند الاقتضاء.
لابد كذلك لعامل الإقليم أن يتدخل في هذا الإطار – إذ لا شك أنه يعلم دقة المرحلة واستفحال الأزمة وذلك بممارسة دوره في المراقبة الإدارية على الجماعات من خلال توجيه رسائل لمجالس الجماعات ولرؤسائها للعمل على ترشيد استعمال الماء وعدم استخراجه إلا لغرض استعماله في الشرب أو السقي في حدود ضيقة وعند الضرورة.
لابد من توجيه نداء كذلك إلى ملاك ومستغلي المسابح مهما كانت أوجه استغلالهم إلى التعبير عن شعورهم بالمواطنة الحقة وذلك كتعبير عن انخراطهم الإيجابي في هذه المبادرة المواطنة للحفاظ على مادة الماء باعتباره مادة حيوية باعتباره الضامن الأساسي والوحيد لبقاء الحياة في الواحة وتجنبا للترحال الاضطراري لجزء كبير من الساكنة.
وغني عن البيان أن الحفاظ على الماء واستعماله الاستعمال المعقلن هو المدخل الأساسي لحماية البيئة إذ لا بيئة بدون ماء باعتبار الحفاظ على الغطاء النباتي وغرس الأشجار غير مكلفة وتحقق مجموعة من الفوائد ذات البعد النفسي والإيكولوجية والاجتماعية والاقتصادية.

رشيد اغزاف المحامي بهيئة المحامين بمراكش ورزازات
باحث ومهتم بالشأن التنموي الترابي

We Love Cricket

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى