مكناس .. “سؤال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياحية والمجالية والفلاحية إلى أين”
منذ عدة عقود ظل سؤال التنمية الاقتصادية والمجالية مطروحا لدى مختلف النخب المكناسية جمعوي وسياسيا وحقوقيا بفعل ما طال العاصمة الإسماعيلية من ترد على كل المستويات برغم كل المؤهلات الفلاحية والسياحية والأثرية والطبيعية التي تتوفر عليها، وذلك بسبب مجموعة من العوامل التي أسهمت في تعميق جراح مدينة لا تستحق كل هذا الجحود والنكران لتاريخ تليد امتد لقرون عديدة.
مبادرة منصة أهل مكناس للترافع عن العاصمة الإسماعيلية المؤطرة من لدن جمعية الحي والمدينة بمكناس في أفق 2030 دعت لها مجموعة من الأساتذة المختصين في مجال البحث الفلاحي والاستثمار السياحي والخبرة في تسيير المقاولات، بالإضافة إلى مجال تنظيم الفعاليات والمناسبات.
الندوة افتتحت بتقديم الكلمة التأطيرية لرئيس جمعية الحي والمدينة الذي اعتبر مبادرة إرساء منصة أهل مكناس للترافع من تنمية العاصمة الإسماعيلية تأتي استجابة لانسداد الآفاق التنموية بالمدينة التي أصبحت بدون أفق محدد لمساراتها التنموية اجتماعيا واقتصاديا ومجاليا وسياحيا بسبب التردي والتراجع الحاصل الذي أرخى بظلاله على كل المجالات بمدينة كانت تلقب ماضيا بباريس الصغرى.
العروض المقدمة طالت مجموعة من المواضيع المرتبطة بالمسارات التنموية التي تشكل قوة دفع واعدة، خصوصا في المجال الفلاحي الذي تطرق له الدكتور حجيب القاسمي أستاذ باحث بقسم الاقتصاد الفلاحي بالمدرسة الوطنية الفلاحية بمكناس والذي عنونه بـ “مكناس عاصمة الفلاحة بالمغرب رهانات وتحديات المستقبل” معتبرا أن تقاسم المعطيات والتجربة المرتكزة على مراكمة العديد من الخبرات الميدانية والعلمية يساعد على إرساء رؤية متكاملة مواجهة للتحديات المطروحة والمتسائلة هل بالفعل مكناس تعتبر عاصمة للفلاحة بالمغرب خصوصا مع إرساء وتنظيم المعرض الدولي للفلاحة بها والذي أصبح مع الأسف ملتقا سياحا أكثر مما هو مناسبة دولية داعمة للصناعة الفلاحية بمكناس ونواحيها من خلال إرساء بعد تنموي هادف محقق لتنمية مستدامة على كل المستويات لرفع التحديات المستقبلة المرتبطة بالأمن الغذائي للمغاربة، بالإضافة إلى إرساء سياسة فلاحية تصنيعية وتحويلية وتصديرية، بحيث يصبح السؤال المطروح من طرف ساكنة المدينة تجاه ماهية القيمة المضافة للمعرض الدولي، خصوصا مع تعثر الحي الصناعي الفلاحي ببوفكران (أكروبوليس) والذي برغم الإمكانات التقنية واللوجستيكية لم يستطع أن يحقق الأهداف التي أسس من أجلها والتي تتطلع الى تحقيق توجه صناعي تحويلي للمنتوجات الفلاحية وتثمينها.
مؤكدا في عرضه على التوجه الرقمي والتكنولوجي لدعم الاستدامة والتنافسية في المجال الفلاحي وذلك باعتماد التكوين والبحث والابتكار لجعل الفلاحية قاطرة للإدماج الاجتماعي على كل المستويات.
التحديات المرتبطة بالمجال السياحي كانت موضوع مداخلة الأستاذ أمين بنونة رئيس المجلس الإقليمي للسياحة بمكناس والتي شكلت أرضية تحليلية للمشاكل والإكراهات التي تعيق الاستثمار في مجال البنيات التحتية السياحية ومواجهة المعيقات التي تواجهها السياحة بمدينة مكناس، برغم كل الإمكانات المتوفرة تاريخيا وتراثيا وبيئيا ومجاليا، بحيث تظل مدينة مكناس عاجزة عن استقطاب الأفواج السياحية بسبب ضعف البنيات السياحية القادرة على تلبية الاحتياجات الملحة للزوار، خصوصا على مستوى كفاءات الاستقبال والتواصل اللغوي والمدارات السياحية والأمن ومستوى المطعمة والفندقة والتخصص والنقل وشفافية الأثمنة والطاقة الإيوائية الملائمة، بالإضافة إلى التنشيط الثقافي والفني المعبر والعاكس للتراث الفكري والتاريخي لمدينة مكناس والتي لم تستطع استثمار موروثاتها التاريخية والأثرية أحسن استثمار بفعل غياب التجديد السياحي وبفعل الانعكاسات السلبية الناتجة عن غياب رؤية مسايرة للتطورات الحاصلة في مجال الاستقطاب السياحي والتسويقي على مستوى الخدمة والاستقبال واللوجيستيك وكذا تغيير العقليات والممارسات اللامسؤولة المضرة بالصورة السياحية لمدينة مكناس كالنظافة وانعدام فضاءات التنشيط وآفة التسول والمضايقات التي تطال السياح وأساليب التحايل وغياب المراقبة إلى غير ذلك من المعيقات الهيكلية التي تعيق تطور الخدمات السياحية وتجعلها محدودة وعاجزة عن رفع التحديات المستقبلية المطروحة في أفق موعد سنة 2030 والتي ستشكل المحك الحقيقي للسياحة بالمغرب عامة وبمكناس خاصة.
مداخلة الأستاذة سليمة حموجيت مستشارة في السياحة وتنظيم الفعاليات والمناسبات نَحَتْ نفس المسار والتوجه والتصور الذي طرح في مداخلة السيد رئيس المجلس الإقليمي للسياحة بمكناس، حيث أكدت بأن التحديات السياحية بالمدينة تطال العديد من المجالات والتخصصات المرتبطة بمفهوم التسويق السياحي وآلياته التدبيرية على مستوى الرؤى المستقبلية لقطاع يشكل فاعلا أساسيا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وكذا على مستوى سمعة المغرب باعتباره مهدا وأرضا شهدت العديد من الحضارات التي خلفت إرثا وتراثا تاريخيا يضرب في أعماق التاريخ الممتد من ما قبل الميلاد إلى اليوم، مما منح المغرب عامة ومكناس خاصة فرصة امتلاك إرث تاريخي مهم ذو غنى أثري وإيكولوجي بحيث تشكل المدينة الرومانية وليلي احدى أهم المحطات على المستوى الاثري والتاريخي و الحضاري والثقافي مما جعلها تعد من أهم الوجهات السياحية بالمغرب والتي تعود إلى 25 سنة قبل الميلاد من أيام حكم يوبا الثاني وابنه بطليموس، بالإضافة كذلك إلى عدم استثمار الجانب الروحي لمدينة مولاي ادريس زرهون بحكم ارتباطها الديني بالزوايا داخل العمق الإفريقي معتبرة أن الانحصار السياحي بمدينة مكناس يطرح العديد من علامات الاستفهام برغم توفر العديد من الإمكانات والمساحات التي تطال المجال الروحي والإرث الثقافي والحضاري والتاريخي والتراثي والصناعي التقليدي إلى جانب الثراء الطبيعي، بالإضافة إلى القيمة التاريخية للأسوار الإسماعيلية وأبوابها المتفردة عالميا معتبرة أنه برغم كل ما ذكر، فإن مدينة مكناس لحد الساعة لم تستطع أن تجد لها المكانة المناسبة داخل الخريطة السياحية بالمغرب وطنيا وجهويا، بحيث تظل مدينة مكناس نقطة عبور لا غير.
مؤكدة في ختام مداخلتها على إرساء رؤية شمولية متجددة ومستجيبة لاحتياجات السياح بهدف الاستغلال الأنجع للثراء السياحي بمكناس وتوظيفه وتسويقه عالميا للخروج من دائرة النكوص السياحي الذي تعاني منه العاصمة الإسماعيلية.
الدكتور بلقاضي محمد شكري الخبير في تدبير وتسيير المقاولة والاقتصاد الأخضر ركز في عرضه العلمي على مجموعة من القضايا المرتبطة بالتنمية الاقتصادية بمدينة مكناس وربطها بالتطور السياحي والبيئي والإشعاعي لمدينة تضرب في جذور التاريخ على مستوى الآثار العمرانية مؤكدا على الربط بين الجانب السياحي والجانب البيئي الذي يعد مؤشرا لجلب السياح على المستوى الدولي خصوصا مع الارتكاز على المفاهيم الموظفة دوليا في المجالات المرتبطة أساسا بمجال الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري المرتكز على التنوع البيولوجي المثمن والمحافظ على المحيط البيئي من خلال اعتماد الحلول المرتكزة على التقييم الكمي للمياه المستعملة في المنتوجات الصناعية الغير الملوثة للمجال البيئي مما يشجع على تطوير السياحة المجالية والبيئية المرتبطة بهذه المؤشرات النوعية المساعدة على جلب المستثمرين السياحيين عبر خلق مناطق مرتكزة على الحكامة التدبيرية المرسية لترسيخ مناخ سياحي مهني موحد محقق للتنافسية ومحترم للجانب الإيكولوجي والبيئي المشجع على الاستقطاب السياحي بمدينة مكناس، معتبرا أن مسألة التثمين السياحي مرتبطة بمواكبة التطورات الحاصلة بالمدن الأخرى المنافسة لمدينة مكناس والتي يعتبر ماضيها أفضل من حاضرها مع الأسف بسبب ضعف الإرادة السياسية للنخب المسؤولة تدبيريا على مستوى المدينة، معتبرا أن منصة أهل مكناس تعتبر لحظة فاصلة على مستوى تفعيل الأدوار الترافعية عن مدينة لا تستحق كل هذا النكران لحاضرها ولماضيها التليد.
مداخلات الفعاليات الجمعوية الحاضرة تميزت بعمق التحليل والرصد لكل النقائص المعطلة للتنمية بمدينة مكناس ليس فقط على المستوى السياحي، بل تعدته إلى المشاكل المرتبطة بالمسك التدبيري المفتقد للفعل السياسي المرتكز على التنمية المجالية والاجتماعية والاقتصادية والسياحية لتجاور واقع الهشاشة والبدونة التي طالت فضاءات مدينة أصبحت بدون مستقبل بسبب افتقادها للجاذبية السياحية والتنموية جراء غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة مما جدر وعمق أساليب التسيب التي عمقت جراح مكناسة الزيتون.
We Love Cricket