أخبارسياسة

من التدبير إلى التغيير.. المغرب يكثف التحركات الدبلوماسية في ملف الصحراء

في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها قضية الصحراء المغربية، يعكف وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة على تكثيف تحركاته الدبلوماسية على مختلف الجبهات، في محاولة لتحريك المياه الراكدة على الساحة الدولية. هذه التحركات التي شملت جولة دبلوماسية عبر عدة دول، بدءًا بالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، مرورًا باستونيا، مولدافيا، كرواتيا، المجر (هنغاريا)، وصولًا إلى إسبانيا، كما أنها تضم زيارة إلى سلوفينيا، العضو غير الدائم في مجلس الأمن. هذه التحركات تأتي في الوقت الذي عكست فيه إحاطة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أمام مجلس الأمن، توجيهًا جديدًا يحيي اهتمام العالم بالقضية.

جولة دبلوماسية مكثفة

بوريطة الذي يقود دبلوماسية نشطة على مستوى عدة دول، يأمل من خلالها أن يعزز دعم الدول الكبرى لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب كحل مستدام لهذا النزاع المستمر منذ عقود. من خلال لقاءاته مع عدد من نظرائه في تلك الدول، يتم تناول العلاقات الثنائية وملفات إقليمية حيوية، مع التركيز على قضية الصحراء المغربية. وقد شهدت زيارة بوريطة لسلوفينيا، على سبيل المثال، محادثات مع تانيا فايون، نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الشؤون الخارجية السلوفينية، والتي تناولت مستجدات الملف ومواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن من مبادرة المغرب.

إلى جانب هذه التحركات، تزايدت الضغوط على الجزائر، إذ أكدت إحاطة دي ميستورا أن هناك أرضية مشتركة يمكن البناء عليها، واصفًا التعاون المغربي بالجدي والبناء. وقد شكلت هذه الإحاطة دفعة قوية للعملية السياسية التي كانت قد تعثرت لفترة طويلة، ما يعكس التوجه الأممي الجديد نحو التوصل إلى حل واقعي.

دبلوماسية المملكة: تحولات استراتيجية

في هذا السياق، أكد إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أن الجولة الدبلوماسية التي قادها بوريطة تمثل انعكاسًا واضحًا لتحول دبلوماسي مهم في السياسة المغربية. وفقًا له، فإن هذه الجولة، التي شملت سبع دول أوروبية في خمسة أيام فقط، تعكس الحركية المتقدمة التي باتت الدبلوماسية المغربية تتميز بها، خاصة في ضوء التوجيهات الملكية التي تدعو إلى تسريع الدفاع عن القضايا الاستراتيجية للمملكة، وأهمها قضية الصحراء المغربية.

وأعرب اسويح عن أن هذا التحرك يظهر أن المغرب لم يعد ينتظر تفاعل الأطراف الدولية مع جهود الوساطة الأممية، بل أصبح يتقدم الصفوف، ليضع منطقًا واقعيًا يعتمد على معطيات سياسية ودبلوماسية قوية. ما يعزز هذا التحول هو دعم متزايد من عدة عواصم أوروبية كبرى مثل باريس ومدريد، وهو ما يعكس تغيرًا في توجهات القرار الأوروبي.

دور المغرب في الأمن الإقليمي

من جانب آخر، أشار اسويح إلى أن مواقف الدول الأوروبية إزاء القضية قد تغيرت بشكل ملحوظ. وأوضح أن المقاربة الأوروبية باتت ترتكز على الشراكة الاستراتيجية في مجالات الأمن والدفاع، وهو ما يبرز الدور المحوري الذي يلعبه المغرب في ضمان استقرار منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط. حيث يعد المغرب بوابة رئيسية نحو العمق الإفريقي، ويعد شريكًا أساسيًا لحلف شمال الأطلسي في تعزيز الأمن الإقليمي.

وأشار أيضًا إلى أن بعض الدول الأوروبية التي كانت قد واجهت تهديدات انفصالية في الماضي، مثل هنغاريا وأوكرانيا، أصبحت أكثر فهمًا للطرح المغربي، نظرًا للتجارب المشتركة في مواجهة هذه التحديات. وهذا يساهم في تعميق التفاهم الأوروبي لمخاطر تقسيم الكيانات الوطنية.

الضغط الدولي على الجزائر

في المقابل، تتزايد الضغوط على الجزائر للانخراط في مسار الحل السياسي. وفي حال استمرت الجزائر في تعنتها، فإن ذلك قد يؤدي إلى فشل المسار الأممي وفتح المجال لقوى دولية أخرى لقيادة الملف، بما في ذلك احتمالية تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، خصوصًا بعد الكشف عن علاقاتها مع إيران وحزب الله.

تحولات جوهرية في مسار القضية

على الرغم من التحديات، يرى المحللون أن القضية قد دخلت مرحلة الحسم. في ظل دعم متزايد للمبادرة المغربية من القوى الكبرى، ومع تزايد الاعتراف الدولي بأن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد للنزاع، فإن المغرب بات يمتلك حوافز قوية لفرض موقفه في الساحة الدولية.

وفي هذا الصدد، أوضح خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الحسن الأول بوجدة، أن المقاربة المغربية تعتمد على دبلوماسية هادئة تستند إلى مرجعيات تاريخية وحضارية راسخة، مما يسمح للمملكة بأن تحافظ على توازن علاقاتها مع الدول الشريكة. وأكد الشيات أن التحرك المغربي يمثل نموذجًا من دبلوماسية متقدمة تراعي المصالح المشتركة في إطار الحلول السياسية المتوافقة مع مواقف القوى الكبرى.

اقرأ أيضًا:

هل تنجح الوساطة الأمريكية بين المغرب والجزائر في طي نزاع الصحراء؟

خاتمة: المغرب في المسار الصحيح

إن التحرك الدبلوماسي المكثف للمغرب في ملف الصحراء يعكس تحولًا استراتيجيًا على صعيد الدبلوماسية الدولية، ويعزز من موقف المملكة على الساحة العالمية. وفي الوقت الذي تواصل فيه الأمم المتحدة جهودها لإيجاد حل نهائي للنزاع، فإن المغرب يتمتع الآن بدعم أوسع من المجتمع الدولي. ومن المرجح أن تشهد المرحلة المقبلة تحولات جوهرية تؤدي إلى حسم النزاع وتحقيق استقرار دائم في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى