بالعودة إلى التطورات الميدانية خلال الأربع سنوات الماضية، سنجد أن البوليساريو دأبت على سياسة فرض الأمر الواقع على الأراضي المغربية شرق الجدار الأمني عبر التسلل إليها و تنظيم أنشطة عسكرية و مدنية في انتهاك سافر للشرعية الدولية و لقرارات مجلس الأمن و للاتفاقات العسكرية.
التطور الخطير هو إقدام عناصر مسلحة من جبهة البوليساريو متوارية خلف أذرع مدنية من مخيمات تندوف للقيام بأعمال تخريبية وفقا لخطط و أجندة النظام العسكري الجزائري و بلغت ذروتها في 21 أكتوبر الماضي عبر غلق معبر الكركرات و قطع الطريق التي تشكل الشريان الحيوي للتجارة الدولية للمغرب مع موريتانيا و غرب افريقيا و المطل على المحيط الأطلسي.
التحرك العسكري المغربي كان ضروريا و تم تنفيذه بشكل ينسجم مع التكتيك المضاد لحرب العصابات التي تنهجه الجبهة الانفصالية، و قد حقق الهدف المنشود و هو تحرير المعبر و تحييد قطاع الطرق و تركهم يفرون و هذا من خطط الحرب غير القتالية التي تتماشى مع الغاية من التحرك العسكري. هذا التحرك الحازم يبعث رسالة مبطنة و قوية الدلالات إلى النظام العسكري الجزائري الذي يمسك بخيوط الدمية الانفصالية من الخلف، و هذا من تكتيكات الحرب عندما يكون العدو الحقيقي قابعا في الخلف.
لنتحلى بالواقعية و لنسمي الأسماء بمسمياتها، فلا يخفى على أحد أن من ينفخ في رماد تنظيم البوليساريو و يستغله كأداة إقليمية ضد الأمن القومي المغربي و سلامة أراضيه و وحدته الترابية، و من يبدد ثروات شعبه و يجيش الإعلام و يصمم الدعاية الكاذبة. النظام العسكري الجزائري يخطط من خلال إقامة تواجد غير شرعي على أراضي مغربية على طول شرق الجدار الأمني موظفا أذرعه الانفصالية من أجل تسويق أسطورة الأراضي المحررة التي وإن شكلت من منظور الشرعية الدولية مغالطة مدحوضة ذاتيا، إلا أنها قد تتحول إلى أطروحة جيوسياسية تستطيع من خلالها الجزائر الإضرار بمصالح المغرب أمنيا و اقتصاديا في علاقاته مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، و أن تهدد بشكل مباشر الأمن القومي المغربي، خاصة أن هذا النظام ما زال يعيش على حلم النافذة الأطلسية، و لا يفكر بمنطق السلام الإيجابي و بمقومات الأمن الإقليمي.
اليوم أكثر من أي وقت مضى، المغرب يقف أمام خيار ذي أولوية قصوى على الصعيد الميداني من أجل تعزيز مكاسبه و نجاحاته الدبلوماسية و على الصعيد الأممي و كذلك من أجل تمتين زخم الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، هذا الخيار يتمثل في ضرورة إنهاء التحركات و الاستفزازات الانفصالية في طورها البدائي قبل أن تتحول إلى خدعة جيوسياسية تعتقد البوليساريو من خلالها فرض أمر واقع بالترويج إلى مغالطة كيان وهمي فوق المنطقة العازلة. إن النظام الدولي يتجه في ظل عالم متعدد الأقطاب إلى لفظ الأوهام الانفصالية، و يعارض قيام كيانات فاشلة تنتج المزيد من الأزمات و تعمق من بيئة عدم الاستقرار الدولي. كما أن فقه حقوق الإنسان يغلب اليوم الحق في التنمية و الحق في الديمقراطية كتجسيد حقيقي لحق تقرير المصير في مواجهة النزعات الانفصالية المتمسكة بمفهوم بائد و غير واقعي لحق تقرير المصير.
انطلاقا من كون المغرب دولة مسؤولة تشجع و تدعم نوايا و مبادرات السلام و بناءا على حقوقها التاريخية المشروعة، و درءا لتحول الأراضي المغربية شرق الجدار الأمني إلى شريط تستغله الأطراف المعادية من أجل فصل المغرب عن عمقه الإفريقي، و و للحيلولة دون تبلور خدعة جيوسياسية تتحكم فيها الجزائر، سيمثل بسط السيادة المغربية على هذه الأراضي و تحييد البوليساريو بشكل جذري من هذه المنطقة عاملا حاسما من أجل التقدم في المسار السياسي و التوصل للتسوية النهائية العادلة و المتوافق بشأنها.
إن ما يدعم هذه الرؤية هي الممارسات الخارقة لاتفاق وقف إطلاق النار، و التي تندد بها تقارير الأمين العام للأمم المتحدة و القرارات الأخيرة لمجلس الأمن، إذ يتضح منذ عدة سنوات أن بعثة المينورسو التابعة للأمم المتحدة أضحت تواجه متاعب و صعوبات متزايدة تعوق المكونين المدني و العسكري من القيام بمهامهما نتيجة للأعمال المستفزة لعناصر البوليساريو، و قد بلغت هذه الأفعال إلى حد اعتداء عناصر البوليساريو على رموز البعثة و آلياتها في الأيام الماضية بالكركرات.
في هذا السياق، من شأن استرجاع الأراضي المغربية شرق الجدار أن يشكل أساسا لبناء السلام على الأمد البعيد في اتفاق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة و بالاتفاق مع المنظمة الأممية.
We Love Cricket