آخر الأخبارمجتمع

رشيد أعزاف لليقين: الطلاق جرس إنذار اجتماعي ودعوة ملحة لإحياء الوساطة الأسرية ( حوار)

اليقين/ نجوى القاسمي

يشهد المغرب خلال السنوات الأخيرة تزايدا مهولا في نسبة الطلاق، خاصة داخل المدن، ما يجعل الظاهرة تتحول من حالات فردية معزولة إلى معضلة اجتماعية مُقلقة. في هذا الحوار لليقين ، يسلّط الأستاذ رشيد أغزاف المحامي بهيئة المحامين بمراكش ورزازات الضوء على الأسباب الاجتماعية والثقافية والقانونية التي تغذي هذه الظاهرة، إلى جانب ما يمكن أن تقوم به المحاكم والأسرة والدولة للحد من الانفصال وحماية حقوق المتضررين، وخاصة الأطفال.

ما الأسباب الاجتماعية والثقافية التي تدفع الأسر نحو الانفصال في تقديركم؟

لا نخفي قلقنا من ارتفاع نسبة الطلاق على الصعيد الوطني بحيث أصبح الطلاق ظاهرة اجتماعية خطيرة وهي في تزايد مستمر وهو ظاهرة معقدة تتداخل فيها عوامل عديدة، منها ما هو اجتماعي بحيث نسجل تحول في مفهوم الأسرة ودور كل من الزوج والزوجة داخلها مع تنامي قيم الفردانية والاستقلالية، لم يعد الزواج يُنظر إليه ذلك الميثاق الأبدي بل كشراكة قابلة للتقييم وإعادة النظر.

ومنها كذلك ما هو ثقافي يتجلى في تنامي وعي النساء بحقوقهن، وظهور خطاب اجتماعي وحقوقي يدعو إلى عدم التسامح مع مظاهر العنف والإهانة خاصة بالنسبة للمرأة.

من جهة أخرى، أصبحت أغلب الأسر تعرف ضعف مهارات التواصل خاصة مع وجود الضغوط الاقتصادية، والتدخل المفرط للعائلة أو المحيط، كلها تساهم في تأجيج الخلافات بين الزوجين والتي تنتهي غالباً بانفصام العلاقة الزوجية.

هل قرار الطلاق دائمًا يكون حرا؟ ألا توجد ضغوط اجتماعية تدفع أحد الطرفين للطلاق قسرا؟

هذا السؤال له ارتباط وثيق بالسؤال الأول، ومما لا شك فيه أن قرار الطلاق يتخذه الزوج أو الزوجة في بعض الأحيان بشكل فردي وبشكل حر وذلك في الحالات التي تظهر فيها خلافات بين الزوجين وتتفاقم دون أن يستطيعا إيجاد حلول لها وهذه الحالات قد يكون السبب فيها عدم التفاهم على بعض الأمور التي تتعلق بتدبير أمور بيت الزوجية أو خلافات ناتجة عن اختلاف طريقة التفكير وعدم التفاهم بشأن تحديد الأولويات في بيت الزوجية وهذه الحالات غالبا تكون بسيطة ويمكن حلها بطرق حبية عن طريق تدخل أفراد عائلة الزوجين أو أقربائهما أو أصدقائهما.

إلى جانب هذه الحالات لابد من التأكيد على أن هناك حالات عديدة يكون فيها الطلاق ناتجا عن ضغط اجتماعي أكثر من كونه اختيارًا حراً سواء بالنسبة للزوج أو الزوجة بحيث أن المرأة، مثلاً، قد تُجبر على الطلاق من طرف أهلها لأسباب تتعلق “بالسمعة” أو لأن الزوج غير مستقر ماليًا. وفي حالات أخرى، الرجل يُدفع للطلاق بسبب ضغط من عائلته لرفض الزوجة اجتماعياً أو حتى ثقافياً.

بل حتى بعد الزواج، كثير من العلاقات الزوجية قد تنتهي تحت تأثير خطاب مجتمعي يحرض على الانفصال عوض الإصلاح، أو نتيجة تصورات مغلوطة أو لعدم فهم لمجموعة من المفاهيم من قبيل “الكرامة” و“القوامة”.

هل توجد ثغرات قانونية تجعل بعض الأطراف عرضة للظلم أثناء إجراءات الطلاق؟

هذا سؤال جوهري تتفرع عنه مجموعة من الإشكالات العملية، فكما هو معلوم فإن المغرب عرف إصلاح شامل لقانون الأحوال الشخصية عبر مدونة الأسرة سنة 2004، والتي جاءت بمجموعة من المستجدات أهمها أن المرأة من حقها كذلك تقديم طلب التطليق إسوة بالرجل وذلك عكس ما كان سائدا قبل سنة 2004 في مدونة الأحوال الشخصية بحيث أن الحالات التي يسمح فيها للمرأة تقديم دعوى الطلاق قليلة جدا منها على الخصوص التطليق للغيبة وتتحقق هذه الحالة عندما يغيب الزوج لمدة تفوق سنة ولا تعرف مكانه وتنقطع أخباره، لذلك كانت حالات الطلاق التي تباشرها المرأة قليلة جدا إن لم تكن ناذرة.

لكن مع صدور مدونة الأسرة سنة 2004 وتعدد أنواع الطلاق منها مثلا، نظام التطليق للشقاق وهو نظام يمكن المرأة والرجل على حد سواء من سلوكه، ويمنح لأحدهما تقديم طلب التطليق دون أن يكون مجبرا على إثبات سبب الطلاق، غير أن الإشكال الذي يطرح في هذا النوع من التطليق هو ما استقر عليه العمل القضائي من كون المرأة في حالة ما إذا كانت هي التي بادرت إلى تقديم دعوى التطليق فهي لا تستفيد من أي تعويض الذي يطلق عليه في الممارسة القضائية “المتعة” عكس إذا ما كان الزوج من تقدم بطلب التطليق ففي هذه الحالة تحكم المحكمة لفائدة الزوجة بمستحقاتها المترتبة عن التطليق ويخضع تقدير هذه المستحقات للسلطة التقديرية للمحكمة أخذا بعين الاعتبار مدة الزواج والوضعية المالية للزوج ومسؤولية الطرفين في إيقاع الطلاق.

هنا لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة جدا تتعلق بتحديد مستحقات الزوجة المترتبة عن التطليق فقد يلجأ الزوج إلى إخفاء حقيقة وضعيته المادية أو أنه لا يصرح بدخله الشهري خاصة في الحالة التي يشتغل فيها في الأعمال الحرة فإن الزوجة تقع ضحية عدم الحكم لها بمستحقاتها بشكل بنسجم مع الوضعية المادية الحقيقية للزوج وهذه من الثغرات التي قد تجحف بحقوق الزوجة.

إضافة إلى ذلك هناك حالات تتعلق بصعوبة إثبات العنف الزوجي، خاصة العنف النفسي أو الاقتصادي، الذي لا يزال معقدًا بسبب عدم توفر وسائل الإثبات، فضلا عن كون القاضي يجد نفسه أمام ملفات كثيرة مما يصعب معه إعطاء الوقت الكافي لإيجاد حل ودي يؤدي إلى الصلح بين الزوجين.

بالإضافة إلى ذلك فإن الأمر يزداد تعقيدا عندما ينتج عن العلاقة الزوجية أبناء الذين يقعون ضحية الطلاق خاصة فيما يتعلق بتنفيذ أحكام النفقة أو زيارة الأطفال والذي يجعل الطرفين يُواجهان عراقيل تزيد من معاناة الأطفال على الخصوص وهو ما يؤثر عليهم على عدة مستويات سواء في تربيتهم أو في تنشئتهم الاجتماعية وتعليمهم وترى أن هذه النقطة بالضبط هي التي يجب أخذها بعين الاعتبار في المراجعة المرتقبة لمدونة الأسرة.

ولا ننسى أن إقصاء النساء من اقتسام الممتلكات في غياب عقد زواج موثق بنظام “الاشتراك في الأملاك” يخلق حالات حقيقية من الفقر بعد الطلاق خاصة بالنسبة للمرأة التي لا تتوفر على عمل قار ولا على دخل قار كذلك.

دور محتمل للمحاكم لتقليل هذه الظواهر، عبر التوعية أو الوساطة. ما رأيكم؟

لابد من التأكيد على أن ارتفاع نسب الطلاق في جميع مناطق المغرب بحيث مثلا في مراكش لوحدها تسجل ما يفوق 6000 حالات الطلاق سنويا ومع عدم تخصيص موارد بشرية كافية ولاسيما بالنسبة للقضاء وموظفي كتابة الضبط فضلا عن تحديد العمر الافتراضي لجميع القضايا ومنها قضايا الأسرة كل هذه المعطيات تجعل مهمة المحاكم في إجراء الصلح بين الزوجين شبه مستحيل.

لابد من التأكيد على أن القضاء يجب أن يتحول من مجرد “قضاء للفصل في قضايا الطلاق” إلى “قضاء يفعل ويحرك النصوص القانونية” خاصة وأن من بين المقتضيات المهملة في مدونة الأسرة الحالية هي الوساطة الأسرية أو ما يسمى بالحكمين، التي تنص عليها المادة 82، لكنها لا تُفعل فعلياً في أغلب المحاكم.

أيضًا لابد من عدم إغفال دور الأسرة في الحفاظ على استمرار واستدامة العلاقات الزوجية، كما أنه يمكن إحداث مراكز للإنصات والمواكبة النفسية والقانونية داخل المحاكم، بشراكة مع المجتمع المدني، لمرافقة الأزواج خلال الأزمة.

إن دور الأسرة يجب أن يكون وقائيا بحيث أنه على الأسرة أن تسعى إلى التوفيق بين الزوجين وإيجاد حلول للمشاكل الزوجية قبل تفاقمها وقبل اللجوء للمحكمة خاصة وأننا كممارسين في المجال القانوني نلاحظ أن نسبة كبيرة من الدعاوى الرامية إلى الطلاق تنتهي بانفصام العلاقة الزوجية ولا يتم فيها الصلح وهذا راجع بالأساس إلى عوامل متعددة منها ما هو نفسي وما هو اجتماعي وما هو ثقافي.

ختم رشيد أغزاف تصريحه لموقع اليقين أن المعطيات تؤكد أن الطلاق أصبح ظاهرة مجتمعية خطيرة وهو في تزايد مهول ولتجاوز المشاكل المطروحة وما راكمته التجربة القضائية مما يتوجب معه تعديل جدري لمدونة الأسرة في هذا الشق المتعلق بانفصام العلاقة الزوجية ولاسيما إدماج الوساطة الأسرية كمسطرة إلزامية في قضايا الطلاق وعند الاقتضاء تفعيل دور مراكز الوساطة ودور المساعدين الاجتماعيين ولم لا اللجوء إلى الأخصاء النفسانيين في الحالات المستعصية

We Love Cricket

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى