آخر الأخبارسياسة

تعديل المسطرة الجنائية يعيد رسم حدود تدخل النيابة العامة في ملفات الفساد المالي

اليقين/بلاغ

أصدرت رئاسة النيابة العامة منشورا جديدا يحدد كيفية تنزيل مقتضيات القانون 03.23 المتعلق بتعديل قانون المسطرة الجنائية، في خطوة أثارت نقاشا واسعا داخل الأوساط القانونية والحقوقية، بالنظر إلى ما يحمله المنشور من تغيرات جوهرية في صلاحيات النيابة العامة بشأن تحريك الأبحاث المتعلقة بجرائم المال العام.

وحسب المقتضيات الواردة في المنشور، فإن النيابة العامة لم تعد تملك صلاحية فتح الأبحاث التمهيدية تلقائيا في هذا النوع من الجرائم، إلا بناء على إحالات وتقارير رسمية صادرة حصرا عن مؤسسات رقابية محددة، من بينها المجلس الأعلى للحسابات، والمفتشية العامة للمالية، والمفتشية العامة للإدارة الترابية، إضافة إلى هيئات رقابية أخرى منصوص عليها في التشريع الجديد.

وتنص مقتضيات القانون المعدل، الذي دخل فعليا حيز التنفيذ، على أن الشكايات المباشرة للمواطنين أو الجمعيات لم تعد كافية لفتح تحقيق قضائي في قضايا الاختلاس والرشوة وتبديد الأموال العمومية، ما لم تكن مؤيدة بإحالة رسمية من الهيئات الرقابية المختصة.

غير أن القانون استثنى حالات التلبس، التي يظل فيها للنيابة العامة حق فتح الأبحاث فوراً دون التقيد بالمسطرة الجديدة.

المنشور يربط هذا التقييد بالمادة 3 من قانون المسطرة الجنائية، التي تخضع تحريك المتابعات في جرائم المال العام لمساطر خاصة تتجاوز القواعد العامة المتعارف عليها.وقد أثارت هذه المستجدات جدلا واسعا خلال مناقشة مشروع تعديل المسطرة الجنائية في الشهور الماضية، حيث عبر فاعلون حقوقيون وقانونيون عن تخوفاتهم من أن تؤدي المقتضيات الجديدة إلى إضعاف دور النيابة العامة في مكافحة الفساد، وتقليص مستوى تدخلها في الجرائم المرتبطة بالمال العام.

ويرى هؤلاء أن حصر تحريك المتابعات في تقارير الرقابة قد يفتح الباب أمام التأخير أو الانتقائية، بما قد يمس بمبدأ استقلال القضاء ودوره في حماية المال العام.

في المقابل، يعتبر مؤيدو التعديل أن نقل المبادرة إلى الهيئات الرقابية يضمن مزيدا من المهنية والدقة في الإحالات، ويسهم في تفادي الشكايات الكيدية ويرفع من جودة التحقيقات، خصوصاً في الملفات المالية المعقدة التي تتطلب خبرة تقنية وتدقيقاً محاسبياً متخصصا.

وبين هذه الآراء المتباينة، يبقى النقاش مفتوحا حول أثر التغيير الجديد على منظومة محاربة الفساد، وعلى قدرة القضاء على مواكبة تطور الجريمة المالية وضمان عدم الإفلات من العقاب، في انتظار ما ستكشفه الممارسة العملية خلال الأشهر المقبلة من نتائج وتحديات.

We Love Cricket

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى