
نيويورك – وجّه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة إلى السيد كولي سيك، رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يُخلَّد في 25 نونبر من كل سنة.
وجاء في الرسالة الملكية ما يلي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
السيد الرئيس، أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
يسعدني في هذا اليوم المخصص للتضامن مع الشعب الفلسطيني أن أعبر لكم عن خالص الشكر والتقدير على ما تبذلونه من جهود مخلصة ومتواصلة لخدمة الأهداف النبيلة التي تضطلع بها لجنتكم. كما أحيي ما تقومون به من مبادرات على المستوى الدولي لنصرة الشعب الفلسطيني وتعريف العالم بعدالة قضيته وحقوقه المشروعة.
وتغتنم المملكة المغربية هذه المناسبة لتجديد تأكيد التزامها الثابت بالدفاع عن القضية الفلسطينية، والمساهمة الفاعلة والبنّاءة في دعم كل الجهود الرامية إلى إيجاد حل عادل لها، باعتبارها جوهر الاستقرار والسلم في منطقة الشرق الأوسط.
السيدات والسادة،
لقد عاش الشعب الفلسطيني خلال العامين الماضيين ظروفاً قاسية فاقت قدرة الإنسان على التحمل، من قتل وتشريد وتجويع في قطاع غزة، ومن اعتداءات ومضايقات يومية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وانطلاقاً من واجب التضامن، بادرت المملكة المغربية، منذ أكتوبر 2023، إلى إرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى قطاع غزة في خمس مناسبات، شملت مواد غذائية ومياهاً وأدوية ولوازم طبية وإغاثية. وكان آخرها الجسر الجوي الذي نقل حوالي 300 طن من المساعدات عبر مسار بري استثنائي وغير مسبوق.
السيدات والسادة،
بعد حرب مدمرة استمرت عامين في قطاع غزة، أثمرت الجهود الدبلوماسية المكثفة اتفاقاً لوقف إطلاق النار نأمل تنفيذه الكامل بجميع بنوده، بما يضع حداً لمعاناة الفلسطينيين، ويتيح دخول المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ومنتظم، ويمهّد لإطلاق عملية إعادة الإعمار وفتح الأفق أمام حل سياسي عادل وشامل.
وإذ نرحب بهذا التطور الإيجابي، نعبر عن تقديرنا البالغ للانخراط الشخصي للرئيس دونالد ترامب، الذي كان له دور حاسم في التوصل إلى هذا الاتفاق، ونثمن جهود كل الوسطاء.
السيدات والسادة،
نعيش لحظة مفصلية تحمل أملاً كبيراً لمسار الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال، وتتطلب تعبئة دولية وإقليمية لمواصلة تنفيذ بنود الاتفاق والانخراط في مراحله كافة. والمملكة المغربية، كعادتها، مستعدة للمساهمة الفاعلة في كل الجهود والمبادرات ذات الصلة.
وفي هذا الإطار، نعتبر أن أي تحرك دولي لتحقيق سلام عادل ودائم يجب أن يستند إلى الأسس التالية:
- الحفاظ على وحدة غزة والضفة الغربية سياسياً وإدارياً تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية، باعتبارهما جزءاً من الدولة الفلسطينية المنتظرة وعاصمتها القدس الشرقية.
- دعم السلطة الوطنية الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، وتعزيز قدراتها ومؤسساتها.
- دعم الاقتصاد الفلسطيني ورفع القيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع والأموال.
- تشجيع المصالحة الفلسطينية لضمان وحدة الصف تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
- إطلاق مفاوضات جدية ضمن جدول زمني محدد، بهدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة على حدود 4 يونيو 1967، عاصمتها القدس الشرقية، تعيش في أمن وسلام مع إسرائيل.
السيدات والسادة،
لا يمكن تصور حل عادل للقضية الفلسطينية دون معالجة وضعية مدينة القدس الشريف، لما تحمله من رمزية دينية وحساسية خاصة. وبصفتنا رئيساً للجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، نواصل جهودنا لحماية الطابع الأصيل للمدينة والحفاظ على وضعها القانوني، والدفاع عن مقدساتها الإسلامية والمسيحية، من خلال العمل الدبلوماسي والمبادرات الميدانية التي تنفذها وكالة بيت مال القدس الشريف.
وفي هذا السياق، نعبر عن قلقنا الشديد إزاء الإجراءات الإسرائيلية الأحادية والاستفزازية في القدس، والانتهاكات المتكررة للمسجد الأقصى، وهي ممارسات خطيرة تزيد التوتر وتغذي خطاب الكراهية والتطرف، وقد تقود إلى صراع ذي طابع ديني يهدد استقرار المنطقة بأكملها.
كما نشير إلى أن الضفة الغربية تعاني أوضاعاً لا تقل خطورة، بسبب توسيع الاستيطان وتزايد الاعتداءات ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، في محاولة لفرض ضم فعلي ينسف أسس حل الدولتين.
السيدات والسادة،
إن الدعم الدولي المتزايد لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة يعزز الدينامية التي أطلقها التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، بمبادرة من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية. وقد ساهمت المملكة المغربية في هذا المسار باستضافتها، في ماي 2025، الاجتماع الخامس للتحالف الدولي من أجل تنفيذ هذا الحل.
وقد أصبح حل الدولتين اليوم مطلباً عاجلاً تفرضه الواقعية السياسية، إلى جانب بعده الإنساني والأخلاقي في إنصاف شعب حُرم طويلاً من حقوقه المشروعة.
السيدات والسادة،
إن المملكة المغربية، انطلاقاً من إيمانها الراسخ بعدالة القضية الفلسطينية وتمسكها بخيار السلام العادل، تؤكد استعدادها للانخراط في الجهود الدولية الرامية إلى تهيئة ظروف إحياء مسار السلام بالشرق الأوسط، ضمن معايير واضحة وأفق زمني معقول، بعيداً عن مقاربات إدارة الأزمات، وبهدف تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لجميع شعوب المنطقة.
وفي الختام، أجدد شكري لأعضاء اللجنة الأممية، داعياً إياهم إلى مواصلة جهودهم لحشد الدعم الدولي لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، في إطار رؤية بناءة تسعى إلى الوصول إلى سلام عادل ودائم على أساس حل الدولتين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
We Love Cricket




