جهات

التخدير بواسطة الوسائط الاجتماعية


لقد أصبحنا نعيش في عالم خيال تسيطر عليه الصور الزائفة، ولم نعد نعرف كيف نحيا دون التكنولوجيا التي استحوذت على أفكارنا، وعقائدنا، وتقاليدنا، وقيمنا. بل إن الأسوأ من ذلك أن الإنسان بات يفضل التواصل بكل جوارحه خلف الشاشات عبر الوسائط الاجتماعية، بدل التواصل الحقيقي وجهًا لوجه مع المرسَل إليه.
ومن هنا نطرح سؤالا محوريا:
لماذا أصبحنا مدمنين على الوسائط الاجتماعية، وكيف تمارس هذه المنصات التحكم في وعينا؟
وإلى أي مدى بات الإعلام يسهم في تشتيت الإنسان نفسيا ومعرفيا وجره نحو العزلة؟

لقد شهد العالم، مع بزوغ الثورة التكنولوجية، انتشارا هائلا لوسائل الإعلام والاتصال الرقمي، والتي هيمنت على أفكارنا وأضحت جزءًا من عاداتنا اليومية المستمرة التي لا نستطيع كبحها بأي وسيلة. وقد أدى ذلك إلى بروز ما يُعرف بـ “التخدير الرقمي”، وهو انغماس المستخدم انغماسا كاملا وغير واع في المحتوى الإلكتروني بما يلهيه يشتت تركيزه، الأمر الذي خلف اثار سلبية على الفرد تفوق ما تقدمه هذه الوسائط من فوائد.
وتعد الخوارزميات من أهم آليات هذا التخدير، نظرا لاعتمادها على الذكاء الاصطناعي في جذب المتلقي وإبقائه أطول مدة ممكنة داخل المنصة، إضافة إلى التفاعل من خلال التعليقات والإعجابات التي تفرز الدوبامين في الدماغ، فتخلق شعورا بالمكافأة يدفع المستخدم إلى العودة باستمرار.
أضف إلى ذلك انتشار المحتويات السطحية والسريعة التي أصبحت تجذب فئات واسعة من الجمهور لأنها لا تتطلب جهدا ولا تفكيرا عميقا. ولهذا تظهر الدراسات الإحصائية أن معظم الأشخاص، خصوصا فئة المراهقين، يقضون ما بين ثلاث إلى خمس ساعات يوميا على منصات التواصل، مما رفع من معدّلات الأمراض الجسدية والنفسية، مثل القلق، والاكتئاب، وصعوبات التركيز، والسمنة، إضافة إلى تراجع التواصل المباشر وارتفاع نسبة العزلة الاجتماعية.
إن فهم هذه الظاهرة والوعي بأساليب تأثيرها أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط لحماية الذات، بل لبناء مجتمع قادر على استعمال التكنولوجيا دون السقوط في فخ التخدير الرقمي والهيمنة الخفية التي تمارسها المنظومات الإعلامية الحديثة.

We Love Cricket

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى