
اليقين/ نجوى القاسمي
لم تمر لحظة الإعلان عن تشكيلة المكتب السياسي الجديد لـ حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مرور العابر، بل كانت بمثابة شرارة أشعلت حريقا تنظيميا سرعان ما تمدد داخل الجسد الحزبي، كاشفا هشاشة التوازنات الداخلية، وعمق التصدعات التي ظلت لسنوات تدار بالصمت والتأجيل.
فما إن استقرت الأسماء فوق الورق، حتى خرج الاحتقان من غرفه المغلقة إلى الفضاء العام، متجسدا في أولى حلقات النزيف باستقالة محمد أبودرار، المنسق الجهوي للحزب بجهة كلميم وادنون، من مهامه التنظيمية ومن عضويته بالمجلس الوطني. خطوة لم تُقرأ داخل البيت الاتحادي باعتبارها قرارا فرديا معزولا، بقدر ما اعتبرت تصدعا في جدار الصمت، وإشارة قوية إلى أن الأزمة تجاوزت منطق الاختلاف العابر إلى مستوى فقدان الثقة في آليات التدبير نفسها.
استقالة أبودرار، التي تزامنت مع إقصاء اسمه من تشكيلة المكتب السياسي، أعادت طرح سؤال التمثيلية الجهوية وحدود الإنصاف داخل أجهزة القرار، لكنها، في العمق، فتحت الباب أمام موجة أوسع من الانسحابات، شملت مقررين وأعضاء بالمجلس الوطني وأطرا شابة كانت تراهن على تجديد الدم التنظيمي. بعضهم اختار إعلان القطيعة بوضوح، وآخرون آثروا الانسحاب الصامت، في انتظار اتضاح أفق سياسي يبدو، حتى الآن، ضبابيا.
وبحسب مصادر اتحادية، فإن القاسم المشترك بين هذه الخطوات لا يكمن فقط في الاعتراض على الأسماء، بل في الإحساس المتنامي بأن المؤسسات الحزبية فقدت معناها، وتحولت إلى فضاءات شكلية تستدعى فقط لإضفاء الشرعية على قرارات جاهزة، تصاغ خارج منطق التداول والنقاش، وتمرر باسم التوافق دون أن تكون ثمرة توافق فعلي.
في المقابل، يصر الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، على أن استكمال الهياكل تم وفق القوانين الداخلية وبمراعاة معايير الكفاءة والتنوع، مؤكدا أن ما جرى يندرج ضمن تدبير طبيعي للاختلاف. غير أن هذا الخطاب، على ما يبدو، لم يفلح في امتصاص غضب شريحة واسعة من الاتحاديين، الذين يرون في ما حدث حلقة إضافية في مسلسل طويل من التضييق على الأصوات النقدية، وإفراغ تدريجي للمؤسسات من أدوارها الرقابية والتقريرية.
خطورة هذا الزلزال التنظيمي لا تكمن فقط في رمزيته، بل في توقيته أيضا. فالحزب يقف اليوم على عتبة استحقاقات انتخابية حاسمة، في سياق سياسي يتسم بإعادة رسم الخريطة الحزبية، واحتدام المنافسة على تمثيل الشارع. وهو ما يجعل نزيف الاستقالات، المعلنة منها والصامتة، اختبارا وجوديا لقدرة حزب الوردة على ترميم بيته الداخلي، واستعادة الثقة المفقودة، قبل أن يتحول الخلاف التنظيمي إلى كلفة سياسية يصعب احتواؤها.
في المحصلة، لم يعد السؤال المطروح داخل الاتحاد الاشتراكي هو من دخل المكتب السياسي ومن غادره، بل إلى أي حد ما تزال الديمقراطية الداخلية قادرة على الصمود، وهل يملك الحزب شجاعة الإصغاء لنقده الذاتي، أم أن منطق التدبير المغلق سيواصل إنتاج الأزمات نفسها، بأسماء مختلفة، ونتائج أكثر إيلامًا.
We Love Cricket




