
تعود فكرة الوساطة الدولية بين المغرب والجزائر إلى السطح مجددًا، وهذه المرة بصيغة أمريكية مباشرة. تصريحات مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط، مسعد بولس، حول مبادرة مرتقبة لتقريب وجهات النظر بين الرباط والجزائر بشأن ملف الصحراء، قد تفتح أبواب الأمل في حل هذا النزاع المستمر منذ عقود.
هذه الوساطة، التي تنبع من تعقيدات الإقليم، تهدف إلى جمع الجارين اللذين فرّقتهما سنوات طويلة من القطيعة السياسية والشكوك المتراكمة. لكن هذا التوجه يثير العديد من التساؤلات: هل آن الأوان للاستماع إلى صوت العقل؟ وهل يمكن للدبلوماسية الهادئة أن تتفوق على لغة التصعيد؟ لا شك أن الملفات المعقدة تحتاج إلى مقاربات مرنة ومبنية على الحوار والتفاهم، وهو ما يعكسه الموقف المغربي الذي لم يظهر أبدًا رفضًا صريحًا لأي مبادرة تسعى للتقريب بين البلدين.
الموقف المغربي الثابت والواقعي
لطالما أكد المغرب استعداده لأي مسار دبلوماسي يبنى على الاحترام المتبادل ويعتمد على الحلول الواقعية والمسؤولة. هذا الموقف جاء واضحًا منذ البداية في العديد من المناسبات والبيانات الرسمية. فقد أشار المغرب مرارًا إلى أن الحل الوحيد المقبول للنزاع هو مبادرة الحكم الذاتي، التي تضمن للمجتمع الصحراوي حقوقه السياسية والاقتصادية ضمن السيادة المغربية. على الرغم من التحديات والصعوبات، ظل الخطاب المغربي متزنًا، داعيًا إلى تجنب التصعيد والانغلاق.
في خطاب المسيرة الخضراء في عام 2024، أرسل الملك محمد السادس رسائل قوية بخصوص رغبة المغرب في تجاوز الخلافات الإقليمية، حيث دعا إلى التفكير المشترك والتعاون الإقليمي. كانت دعوته، خصوصًا لمبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، بمثابة إشارات غير مباشرة للجزائر للتفكير في استراتيجيات تكاملية قد تساعد في إزالة التوترات القائمة.
الواقع الجزائري وتعقيداته السياسية
لكن الوساطة الأمريكية لن تكون سهلة، إذ أن الجزائر تعيش في سياق سياسي معقد، مع تعدد مراكز اتخاذ القرار وصعوبة التنسيق بين المؤسسات المختلفة. هذه التعقيدات تعني أن أي تقدم في الوساطة سيواجه تحديات كبرى، ما يجعل الموقف المغربي يتسم بالصبر الاستراتيجي. المغرب يدرك تمامًا صعوبة اتخاذ القرار في الجزائر، ويعرف أن التصعيد العسكري لن يفيد أي طرف. لذلك، ظل المغرب يركز على الحفاظ على شرعيته الدولية وعلى التواصل الإيجابي مع الأطراف الدولية المعنية، سواء عبر الأمم المتحدة أو من خلال قنوات ثنائية.
التحديات والفرص أمام الوساطة الأمريكية
من جانبه، يرى عبد المجيد بلغزال، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أن الوساطة الأمريكية تمثل خطوة إيجابية. وأشار إلى أن الدعم الأمريكي المتزايد لموقف المغرب، بما في ذلك تأكيد السيادة المغربية على الصحراء، يعد بمثابة مكسب مهم يجب استثماره في مسار التهدئة، بعيدًا عن الخطاب الشعبوي والتحريضي الذي قد يعوق فرص السلام. كما دعا بلغزال إلى ضرورة إبقاء الأبواب مفتوحة، مؤكدًا أن هذا الأمر سيحفظ ماء وجه الجميع ويمنح الأمل في بناء الثقة بين الجانبين.
وأوضح بلغزال أنه رغم التحديات السياسية في الجزائر، فإن المغرب يظل ملتزمًا بإيجاد حلول سلمية، متجنبًا التصعيد العسكري. وفي هذا السياق، أشار إلى أن المغرب قد يكون قادرًا على اتخاذ خطوات عملية نحو إغلاق المنطقة العازلة شرق الجدار الرملي، لكنه اختار التريث لمنع تصعيد الموقف بشكل أكبر. هذا الموقف يعكس حكمة وروية في التعامل مع الوضع الراهن.
آفاق الحل: هل يمكن تحقيق السلام؟
الوساطة الأمريكية قد تكون الفرصة الأخيرة لتحقيق تقدم حقيقي في هذا النزاع الطويل. وبالرغم من تزايد الأصوات الداعية إلى التصعيد، يدرك الجميع أن الحرب لن تخدم أي طرف. المغرب يواصل دعم مقترح الحكم الذاتي، الذي يعده الحل الأكثر واقعية ويحفظ الحقوق لجميع الأطراف. فالحل السلمي لا يمكن أن يتم إلا من خلال الحوار والتفاوض، وليس من خلال التصعيد أو اللجوء إلى القوة.
وفي ظل الوضع الحالي، تبقى الفرصة قائمة لإيجاد حل تفاوضي يضمن حقوق الأطراف المختلفة ويحقق الأمن والاستقرار في المنطقة. إذا نجحت الوساطة الأمريكية في خلق بيئة حوار مثمرة، فإنها قد تمهد الطريق لتحقيق السلام الدائم بين المغرب والجزائر، وهو ما يعكس أملًا كبيرًا في المنطقة المغاربية.
اقرأ أيضًا:
زيادات جديدة في أسعار زيوت المائدة بالمغرب
خاتمة: فرص جديدة للسلام
إن النجاح في الوساطة الأمريكية بين المغرب والجزائر يتوقف على مجموعة من العوامل، أبرزها الإرادة السياسية للطرفين ومدى قدرتهما على تجاوز العقبات التاريخية. وفي هذا السياق، يظل الأمل قائمًا في أن يفضي الحوار إلى نتائج إيجابية تساهم في تهدئة الأوضاع، وبناء الثقة المتبادلة. لا شك أن التوجه نحو التعاون الإقليمي، كما أشار المغرب في مناسبات عديدة، قد يشكل أساسًا قويًا للسلام الدائم في المنطقة.